هل ينقذ أوباما أحمدي نجاد؟

TT

سيكون على إدارة أوباما في وقت ما قبل نهاية الشهر الجاري أن تخبر العالم ما إذا كان «التواصل غير المشروط» مع الجمهورية الإسلامية في إيران ما زال خيارا واقعيا.

فقد قال الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مرارا وتكرارا إنهما يتوقعان حدوث «شيء» قبل نهاية سبتمبر. وكانت الإدارة الجديدة مستعدة للانتظار لما قارب تسعة أشهر في انتظار قرار إيران في ما يتعلق بيد أوباما الممتدة بالصداقة.

وفي البداية، كان يعلق الرئيس أوباما وهيلاري آمالهما على نتائج الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران)، فكان يمكن أن يصبح الأمر مثاليا إذا ما خسر «صانع المشكلات» محمود أحمدي نجاد الانتخابات لصالح مير حسين موسوي الرجل الذي كان يسعى إلى تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة منذ الثمانينات.

وعندما لم يحدث ذلك، علقت واشنطن آمالها على نظرية مفادها أن أحمدي نجاد الذي أضعفته أزمة ما بعد الانتخابات سوف يسعى إلى التطبيع مع الولايات المتحدة لكي يعزز وضعه الداخلي.

ويدرك المتابعون للسياسة الإيرانية أن هذه الحسابات الأميركية ليست صحيحة في أفضل الأحوال، ففي حالة فوز موسوي بالانتخابات، كان سيصبح مضطرا إلى حماية نفسه من هجوم الراديكاليين الذين يتعاملون مع مناهضة أميركا باعتبارها دينًا.

ومن جهة أخرى، فإن مسألة أن أحمدي نجاد قد أضعفته الأزمة التي أعقبت الانتخابات ربما تجعل قدرته على الترحيب بيد أوباما الممتدة أكثر صعوبة. فلطالما وعد أحمد نجاد بـ«النصر التام» مقارنا إدارته بالقطار الذي يتقدم دون مكابح أو صندوق التروس. وكل ذلك لا يعني أن أحمدي نجاد يسعى إلى مواجهة من أجل المواجهة، فبعيدا عن ذلك، لجأ أحمدي نجاد إلى تكتيك قوي، حيث عرض أن يلتقي الرئيس أوباما ويجادله علانية في نيويورك خلال الأمانة العامة القادمة للأمم المتحدة، بل وقد يوافق على إجراء «محادثات غير مشروطة» تمنح الجمهورية الإسلامية المزيد من الوقت الذي تحتاجه لإنجاز مشروع تخصيب اليورانيوم.

ولقد منح أوباما بالفعل إيران تسعة أشهر من الهدوء، تطور خلالها المشروع المثير للجدل في تحدٍّ لثلاثة قرارات إجبارية أصدرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. فإذا كان الحديث مع أوباما سوف يمنح السيد أحمدي نجاد تسعة أشهر أخرى من الهدوء، فسيكون أحمدي نجاد أحمق إذا لم ينتهز تلك الفرصة. فمنذ البداية كانت استراتيجية أحمدي نجاد تعتمد على حساب دقيق للأرباح والخسائر.

وحتى الآن، كان يثبت أنه على صواب، فالمكاسب التي حققها من التحدي كانت تعادل التكلفة تماما، حيث أصبحت إيران على مقربة من الحصول على «السلاح النووي»، وهو الشيء الذي كان يحلم به القادة الإيرانيون الاستراتيجيون منذ الستينيات، سواء خلال إدارة الشاه أو في فترة الثورة الخمينية.

وجاءت تكلفة التحدي في شكل عقوبات تم خرق العديد منها من قبل دول مثل الصين، وروسيا، وبعض دول الاتحاد الأوروبي؛ مثل النمسا، واليونان وإسبانيا.

والنظام الخميني هو من النوع الذي لا يرغب ولا يستطيع أن يتوقف إلا إذا تعثر بشيء صلب في طريقه، ولكن تجاربه حتى الآن كانت تسير مثل السكين في الزبد كما يحب أن يقول أحمدي نجاد. ولكن ما الذي يمكن أن يمثل «نصرا شاملا» بالنسبة إلى أحمدي نجاد في هذه المرحلة؟

يعد مطلبه الأول هو اعتذارا شاملا دون تحفظات من قِبل الولايات المتحدة عن عقود من التدخل المزعوم في الشؤون الإيرانية.

وبالفعل عرض الرئيس كلينتون ووزيرة خارجيته مادلين ألبرايت في 1999 و2000 تقديم هذا الاعتذار في عدد من المناسبات. وفي بداية العام الجاري، قدم أوباما اعتذاره الشخصي خلال خطابه حول الإسلام في القاهرة.

وهناك إشارات إلى أن أحمدي نجاد قد يكون مستعدا لقبول تلك الاعتذارات دون الضغط على أوباما للاعتراف بخطئه مرة أخرى.

فخلال الأسبوعين الماضيين، كانت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (أي أر إن إيه) تبث تحليلات مطولة لاثنين من مستشاري السياسة الخارجية لأحمدي نجاد ترجموا خلالها عددا من تعليقات هيلاري كلينتون باعتبارها «تعادل اعتذارا لإيران».

وتحاول البروباغندا الحالية في طهران أن تقنع الرأي العام بأن الأميركيين قد قدموا اعتذارا بالفعل للجمهورية الإسلامية. كما أن حقيقة أن إيران لم تقدم الولايات المتحدة باعتبارها مدبر الأزمة الأخيرة هو أحد الدلالات على أن أحمدي نجاد يرغب في إبقاء خيار الحوار مع واشنطن متاحا. وسيكون المطلب الثاني لأحمدي نجاد، هو اعتراف أوباما بموقع الجمهورية الإسلامية باعتبارها «قوة إقليمية عظمى» يجب استشارتها في كل القضايا الرئيسية الدولية من منطلق المساواة الكاملة، وفقا لما قاله الدكتور حسين بور أحمدي مستشار السياسة الخارجية للرئيس.

وذلك حيث إن قبول شرعية دور إيران الإقليمي، وموقعها هو المفتاح الرئيسي للتواصل الإيجابي مع الشرق الأوسط. وسوف يكون مطلب أحمدي نجاد الثالث، هو عودة الملف النووي الإيراني إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما سوف يتطلب أن تطرح الولايات المتحدة قرارا جديدا على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يلغي القرارات السابقة ويدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتفاوض في الاختلافات المتبقية مع إيران. ومثل هذه الخطوة سوف تجعل من أحمدي نجاد بطلا قوميا على الأقل داخل المعسكر الخميني المنقسم، بل وقد تنقذ رئاسته التي تعترضها العقبات.

ولكن ما الذي سيكون أحمدي نجاد مستعدا لأن يعطيه في مقابل كل تلك الأشياء المتوقعة من أوباما؟

الإجابة من طهران هي: لا شيء، على الأقل على المدى القصير. فيقول الدكتور منوشهر محمدي مستشار وزير الخارجية منوشهر متكي: «يجب أن تعترف الولايات المتحدة بإيران كشريك مساوٍ لها في الشؤون الخارجية وتعترف بموقعها. كما يجب أن لا تصر الولايات المتحدة على أن تغير الجمهورية الإسلامية من سياستها أو سلوكها». ومن خلال الأجواء السائدة في طهران يمكن التكهن بأن أحمدي نجاد مستعد لأن يمنح أوباما صورة يستطيع أن يروج لها الرئيس الأميركي باعتبارها نصره الدبلوماسي الأول. وفي المقابل، يتوقع أحمدي نجاد أن يعترف أوباما بالجمهورية الإسلامية باعتبارها «قوة عظمى» في المنطقة مانحا إياها حق الفيتو في القضايا المحورية التي تتعلق بالشرق الأوسط بما في ذلك القضايا المتعلقة بأفغانستان، العراق، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ونظرا إلى الأحداث الأخيرة التي وقعت في إيران، فإن التواصل مع إيران لم يعد مرهونا بملفها النووي المثير للجدل، بل أصبح يتعلق بإنقاذ أحمدي نجاد الذي قد تواجه رئاسته التي تحيط بها المشكلات نوعا أعمق من المشكلات. فاليد التي مدها أوباما لإيران يمكن أن تصبح طوق النجاة الذي أُلقي إلى أحمدي نجاد الغارق.