دعونا نرى التغيير الحقيقي

TT

سأمثل أمام محكمة سودانية للمرة الثالثة يوم الاثنين المقبل بعد اتهامي و12 أخريات بـ«ارتكاب عمل غير لائق» وهو ارتداء السروال في مكان عام، وسوف يحكم علي بما يصل إلي 40 جلدة وغرامة غير محددة إذا تمت إدانتي بتهمة انتهاك المادة 152 من القانون الجنائي السوداني لعام 1991 الذي يحظر ارتداء ملابس غير لائقة في الأماكن العامة. ولأنني أعمل بالأمم المتحدة كانت لي حصانة ومنحت لي الفرصة للإفلات من المحاكمة، لكنني اخترت أن أستقيل من الأمم المتحدة حتى أتمكن من مواجهة السلطات السودانية وأجعلهم يظهرون للعالم ما يعتبرونه عدالة.

وسوف يبدو عجيبا بالنسبة لكثير من الناس أن تواجه امرأة هذا الوضع في دولة تدعي أنها «دبي نهر النيل». وعلى مدى السنوات الأخيرة، ربحت بلادي الملايين من عوائد النفط، انتشرت البنايات الضخمة والفنادق الحديثة في أنحاء العاصمة، وعلى الرغم من أن ظروف المعيشة لمعظم الناس لم تتحسن، فإن الحكومة قد وعدت بأننا في طريقنا إلى الازدهار.

لكن لم يتم تحديث القوانين التي تحكمنا، وعلى الرغم من سن دستور جديد في عام 2005 وإبرام اتفاق السلام الشامل والتأكيد على مواثيق حقوق الانسان فإنهم لا يزالون يقيدون سلوك المرأة ـ ليس فقط حرية الملبس ولكن حريتها في العمل أيضا ـ كما أنهم يمنعون الصحافيين من التعبير عن آرائهم ويعتقلون الناس دون سبب.

ولا يعد هذا جديدا.. فالسودان له تاريخ مشرف ومحزن من الرجال والنساء الشجعان الذين اضطروا للمحاربة ضد القوانين القمعية. كما أنهم علموني أننا لا ينبغي علينا الاختباء خلف الامتيازات، ولكن علينا أن نعبر عن أولئك الذين لا يستطيعون التعبير عن آرائهم.

وقد تضع محاكمتي الأسبوع القادم العدالة السودانية في دائرة الاهتمام للحظة واحدة. ولكنني آمل ألا يغض الناس الطرف بمجرد انتهاء محاكمتي لأن هناك تحديات أكبر تنتظرنا.

عندما وقعت حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان على اتفاق السلام الشامل بعد أكثر من عشرين عاما من الحرب الأهلية الوحشية، وعد كلا الجانبين باحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان لمنع تكرار الأعمال الوحشية التي ارتكبت في الماضي. ويشمل هذا الالتزام إلغاء العديد من القوانين القمعية، وخاصة قانون النظام العام الشهير الذي يستخدم لاضطهاد المواطنين العاديين. ولكن تستمر رقابة ومضايقة واحتجاز الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ولا تزال المرأة تطارد لعملها بالمقاهى التقليدية، وقد سقطت امرأة وتوفيت في الحال اثناء محاولتها الهروب من مطاردة الشرطة لها في الاسابيع الماضية، كذلك توفي شاب يعمل في بيع المناديل الورقية لمساعدة عائلته الفقيرة، توفي بعد سقوطه من مبنى لجأ اليه وهو يحاول الهروب من الشرطة.

بعد اشتهار قضيتي، ألقت شرطة ما يسمى بـ«النظام العام» القبض على فتيات من مكان عام، والشرطة فتشت هواتفهن النقالة وعثرت على صور وفيديو من مسلسل تركى شهير «نور ومهند». نور ومهند كانا يتبادلان القبلات على أجهزة الفتيات النقالة.. كان هذا سبب لاقتياد الفتيات إلى مركز الشرطة والمحكمة بتهمة المواد الإباحية (153) وهي مادة أخرى في القانون الجنائي السوداني لسنة 1991.. وتم جلد كل واحدة منهن 40 جلدة، هل ستصدق ان اغلب هذه المحاكم تتكون من قاض وشرطي فقط.. الشرطي هو من قبض على الفتيات وهو الشاكي وهو هيئة الاتهام.. وهو الشاهد الوحيد..!!

أنت تصدق ذلك؟ هناك الاف الحوادث،لا يكفي الورق لرصدها.. واسمحوا لي ان اقول ان عدد النساء اللواتي تم القبض عليهن في ولاية الخرطوم بسبب الملابس في عام 2008 كان 43 ألف امرأة!.. مدير الشرطة، الذي قال هذه الأنباء، قال أيضا إنه لا يعرف بالضبط كم عدد النساء اللواتى جلدن بالفعل!!

ستبدأ الانتخابات فى السودان فى الصيف المقبل، لكن أحزاب المعارضة لن تكون قادرة على خوض هذه الانتخابات ما لم يتم تغيير القوانين لتكون متوافقة مع الدستور الجديد، تعد الانتخابات خطوة واحدة تجاه الاستفتاء الذي سيقرر فيه اخواننا واخواتنا فى الجنوب ما اذا كانوا يريدون الاستمرار في الوحدة أو الانفصال، هذه خيارات مؤلمة وصعبة لأنها ستقرر مستقبل أطفالنا والأجيال المقبلة.

كما أنني أشعر بالغضب والإحباط أن حكومتنا لم تف بوعدها بإلغاء القوانين القمعية قبل الانتخابات للسماح للشعب بمناقشة مستقبله بحرية. السودان دولة عظيمة وغنية بتنوع المعتقدات وطرق المعيشة، كما أن لديها من الموارد ما يكفي رجالها ونساءها وأطفالها. ولكننا لن نحقق امكاناتها العظيمة ما لم نكن قادرين على المناقشة والمساهمة في مستقبلنا دون ضغط أو خوف.

عندما أفكر في محاكمتي، ادعو الله ألا تعيش ابنتي في خوف مما يسمى بـ«شرطة أمن المجتمع»، ولن نكون آمنين ما لم تقم الشرطة بحمايتنا وإلغاء هذه القوانين. كما أنني أدعو الله أن ينظر الجيل القادم إلى الوراء ويرى أننا كانت لدينا الشجاعة للقتال من أجل مستقبلهم قبل فوات الأوان، فنحن بحاجة إلى الشعوب والقادة العرب والأفارقة والأمريكان والصينيين والأوروبيين للوقوف معنا ومساندتنا للتأكد من أن الفصل القادم من تاريخنا هو أقل دموية ووحشية من الماضي، وهذا يتطلب هذا الاقتناع والجرأة. كما أنني آمل أن يظهروا صفات هؤلاء الرجال والنساء السودانيين الذين أعجب بهم بشدة لأنها هي الصفات التي تضمن عدم الاستسلام والفرار قبل حدوث تغيير حقيقي.

* صحافية سودانية

اعتقلت لارتدائها البنطلون وستحاكم الأسبوع المقبل