دور الكتاب العرب في صنع السلام وحمايته

TT

توقفت قاطرة السلام العربي الإسرائيلي على أرض رخوة، عجزت عن التحرك في أي اتجاه، وكل طرف يتهم الطرف الآخر بأنه السبب فى توقفها، ويطلب منه أن يبذل مجهودا أكبر لزحزحتها من مكانها، إسرائيل تطلب عربونا مقدما في عملية السلام مع العرب، وتحلم ـ أو تطالب ـ بنموذج المبادرة الساداتية، مع العلم أن دفع العربون فى صفقة ما لا يعني بالضرورة إتمامها، كما أن التاريخ لا يعيد إنتاج نفسه إلا في حالة صنع المآسي، الشكوك المشتركة هي سيدة الموقف السياسي بين الطرفين، وهي شكوك قوية وراسخة، في حاجة إلى خطوة جديدة مبدعة، تصنع واقعا جديدا يشعر فيه الطرفان بأنهما حققا أرباحا سياسية ملموسة، تسمح لهما بالتخلي جزئيا عن حذرهما وشكوكهما، وبقدر كبير من الاطمئنان يدفعهما لمواصلة السير في طريق السلام.

في تقديري وطبقا لحساباتي السياسية والنفسية، هناك جهة واحدة مؤهلة للقيام بهذه الخطوة، لما لها من مصداقية كبيرة، هذه الجهة هي الكتاب العرب والإسرائيليون والفلسطينيون، ومن يريد الانضمام لهم من كتاب العالم. أعرف السؤال الذي يدور بخلدك في هذه اللحظة، من تقصد بالكتاب؟ وأرد عليك، الكتاب هم حملة الأقلام، الذين يفكرون في مصلحة أهلهم ومصالح البشر بوجه عام، وعلى استعداد للاشتراك في حلقات نقاش مع خصومهم، مسلحين بالمنطق والاهتمام الصادق بالدفاع عن الحياة، وهاضمين لحقائق الأمور ويستطيعون الإمساك بالعناصر التي تقرب الجهات المتصارعة من بعضها البعض، وتدفعهم للسير في طريق السلام. الكتاب هم من يعملون بالكتابة وليس بالسياسة، الكتاب هم هؤلاء الأشخاص العاديون يحملون أقلاما ويحلمون بالخير لأهلهم ولكل البشر، وهم كثيرون بالفعل في البلاد العربية وفي فلسطين وفي إسرائيل.

أفكر في أن مؤتمرا للكتاب الباحثين عن السلام، وعلى استعداد لبذل مجهود لتحقيقه، يدعوا إليه سكرتير عام الأمم المتحدة أو الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يمهد الطريق بشكل أكيد لصنع السلام في الشرق الأوسط. لست أتكلم عن الرئيس أوباما، بوصفه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، بل بوصفه الشخصية الأقرب للمثقفين في العالم كله من بين زعماء العالم السياسيين. يعقد هذا المؤتمر على التوالي في أماكن ثلاثة، عاصمة عربية ورام الله والقدس. هكذا يتم إعادة تأهيل عقول الناس في المنطقة العربية وإسرائيل وفلسطين للسلام.

ليست وظيفة هذا المؤتمر التفاوض على عملية السلام أو خطواته، بل إطلاع العالم كله على حقيقة مؤكدة، وهي أن هناك بين العرب والإسرائيليين من هم متحمسون للسلام فعلا، وأن خوفهم من بعضهم البعض يمكن إزالته. هناك قضايا فكرية عديدة يمكن مناقشتها وإلقاء الضوء على جوانبها المتعددة، ومنها حكاية يهودية الدولة، ماذا تعني هذه الجملة الشرط؟ وما تأثيرها على حياة العرب الإسرائيليين، بل على حياة اليهود الإسرائيليين حاضرا ومستقبلا؟

بالتأكيد هذا المؤتمر باجتماعاته الثلاثة، ستتابعه صحافة العالم وأجهزة إعلامه وتعيد ضخ ما تم فيه في الشارع العربي والإسرائيلي ليعرف الإسرائيليون بشكل هادئ ومؤكد أن بيننا من لا يحلم بزوالهم، وأننا على استعداد للحياة معهم في جيرة طيبة. لا شأن للحكومات العربية والإسرائيلية بهذا المؤتمر، ولا أعتقد أن البيروقراطيات العربية ستفكر ـ بدافع من الغيرة السياسية ـ في إيذاء من يشترك فيه، أو تفكر في حماية الوطن من احتمال أن تجندهم إسرائيل وتحولهم إلى جواسيس، هذا هو العربون المطلوب بغير أن تدفعه الحكومات، وهو أيضا خطوة ضرورية لا أقول لإزالة الشكوك بين الأطراف نهائيا بل لتخفيفها إلى حدها الأدنى، ما يسمح بمواصلة التفاوض بين الأطراف في جو أكثر مودة أو أقل عداء. أتصور أن هذا المؤتمر باجتماعاته الثلاثة كفيل بتحقيق ما كان يعنيه توماس فريدمان، عندما تكلم عن الرسالة التي يجب أن يقوم بعض الناس بإيصالها باليد وعدم الاكتفاء بإرسالها بالفاكس.

إن كل حرف سيكتبه الكتاب من أفكار وانطباعات خلال هذه الاجتماعات وبعدها سيكون بالطبع في خدمة صانع القرار. أما عفريت التطبيع فيمكن نسيانه قليلا، فلا أحد يستفيد من حضوره إلا التطرف والمتطرفون. لقد بات واضحا للجميع أن المزيد من التوتر فى الشرق الأوسط لا نتيجة له سوى إضعاف الدولة والحكومات، وتخصيب الأرض للمتطرفين الذين يعملون على تحويل المنطقة إلى خرائب. السلام لا يصنع نفسه بنفسه، بل يصنعه البشر. وفي غيابه تغيب الحرية وتغيب حقوق الإنسان الفرد.