عندما رقصت الأرض طربا

TT

لا شك أن أحمد شوقي من أعظم شعراء عصره، وله الكثير من شعر المديح.

وتحدثنا الأخبار أنه كان يوما في نزهة مع «الخديوي عباس»، وكان الحر شديدا، فتضايق شوقي، فما كان من الخديوي إلا أن أهداه مظلته، فقال شوقي مرتجلا:

مولاي عباسُ أهداني مظلَّتَه/ يظلّل الله عباسًا ويرعاهُ

ما لي وللشمس أخشاها وأرهبها/ مَن كان في ظله فالشمس تخشاه

ويقال إن ميخائيل نعيمة كان يتمنى لو أن شوقي ألغى من ديوانه جميع قصائد المدح، واكتفى بهذين البيتين، لكفانا بهما شاهدا على بلاغة التعبير بالشعر العربي الفصيح.

ورغم قول نعيمة ذلك، فإنني أراهما من الشعر المجّاني، وكل إنسان له وجهة نظره.

وبما أننا بصدد الشعر، فقد كان هناك شاعر (ظريف) ـ نسيت اسمه ـ وكان أيضا في زمن الخديوي عباس، وصادف أن حصل زلزال رهيب ضرب القاهرة، وتَهدّمت من جراء ذلك مبانٍ وقُتل ضحايا ونشبت حرائق.

وبعد أسبوعين تقريبا أقيم احتفال أو تجمع كبير حضره الخديوي لجمع تبرعات لأسر المنكوبين، وأُلقيت كلمات مؤثرة، وتقدم شاعرنا الظريف، وألقى قصيدة يخاطب بها الخديوي لم يرسخ بذهني منها غير هذا البيت الذي قال فيه:

ما زُلزلت مصر من ضر يراد بها/ لكنها رقصت من عدلكم طربا

* * *

في بعض البلاد العربية والإسلامية هناك فئة من النساء يطلق عليهن مسمّى «الندابات»، وهن يُستأجرن في مناسبات المآتم، وشغلتهن هي البكاء والنواح ونكش الشعور وتمزيق الجيوب حزنا على الميت، ويأخذن بترديد مزاياه ومآثره، رغم أن أيا منهن لا تعرفه قبل ذلك أو حتى شاهدته، وهذا الحزن وهذا المديح يتكرر في كل مأتم بنفس الحركات والمفردات، وحيث إن ذلك محظور وممنوع في السعودية، فقد تفتقت قريحة إحدى النساء هناك أن تجمع حواليها ما لا يقل عن 40 فتاة، وشغلتهن هي توزيع الزغاريد في الأفراح.

طبعا هي أجرت اختبارات على مئات الفتيات، ونجحت منهن 40 فتاة فقط، ممن تتقن الواحدة منهن الزغردة وصوتها مرتفع (يصمّخ الآذان)، وتوزعهن بمعدل كل فتاتين في صالة، وهن يقفن عادة بجوار باب الدخول، وكلما دخلت مدعوة تنطلق الزغاريد، وبعد اكتمال الحضور، تزداد الزغاريد كثافة عند دخول العروسة، وتزداد أكثر وأكثر عندما يزففنها مع عريسها.

وتحصل كل فتاة من هؤلاء على 15 ألف ريال (أي ما يقارب أربعة آلاف دولار) خلال إجازة الصيف، وهو ثمن الزغاريد.

ومن تتوسم في حبالها الصوتية خيرا وتُرِد أن تخوض بهذا المجال الحيوي «المزعج» فلتتصل بي لأعطيها تلفون «المتعهدة»، التي ما فتئت هي تتصل بي بين الحين والآخر تحثني وتشجعني على الإقدام على عمل فرح لي، ووعدتني أن تجمع الأربعين فتاة لإحياء الفرح بالزغاريد دون أي مقابل، كل ذلك مثلما قالت لي: «من أجل سواد عيونك»، وأعرف يقينا أنها كذّابة.