ميكويان يبكي أمام كاسترو

TT

قال نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز للمبعوث السوفياتي يفغيني بريماكوف، أين معاهدة الصداقة بيننا، لماذا لا ترسلون إلينا الأسلحة؟ وردَّ بريماكوف، أين معاهدة الصداقة بيننا، لماذا لا تقولون لنا إنكم سوف تحتلون الكويت؟ لماذا تجعلوننا نبدو وكأننا موافقون على الغزو؟

يروي بريماكوف في «ألغام السياسة» كيف حاول إقناع صدام حسين بالخروج من الكويت. وكيف حاول أن يقنعه بأن الحرب جدية وقادمة ولكن صدام ظل مقتنعا بأن أميركا لن تهاجمه، لأنه كفة التوازن مع إيران. وعندما قصفت أميركا من الجو ذهب إليه بريماكوف وقال له انسحب اليوم لأنهم سوف يدمرون جيوشك في الكويت. وظل صدام يتذاكى. وطلب مهلة ستة أشهر. وبعد أيام كان التحالف يفتك بجيشه.

يقدم لنا بريماكوف، أشهر المستعربين السوفيات، صورة دراماتيكية محزنة لصديقه صدام. رجل لا يجرؤ أحد على إبلاغه بالحقيقة. محاط بقيادة من رجال يرتدون الثياب العسكرية ويهزون رؤوسهم بالموافقة حتى تكاد تسقط أو تنخلع. وحاكم لا فكرة لديه عن القوى الأخرى.

كنا نعرف وكنا ـ الصحافيون العرب ـ نكتب منذ عقود أن بريماكوف، مراسل «البرافدا» في الستينات، كان صديق جمال عبد الناصر. وصديق صدام حسين. وصديق حافظ الأسد. الرفاق في الثورية والاشتراكية وأصدقاء الاتحاد السوفياتي وحلفاؤه. غلط. يقول لنا رجل «الكي جي بي» الذي أصبح وزيرا للخارجية وشهد الأيام الأخيرة من حياة السوفيات، إن صديقه الأكبر كان الملك حسين. كان يرتاح إليه وإلى فهمه للمسارات السياسية ويستشيره في أمور كثيرة. وفي الطريق إلى بغداد، حيث لا يلقى سوى «العقم التام» كان يتوقف في عمان «لتبادل الآراء مع الملك والقادة الآخرين».

وذات زيارة إلى عمان ذهب يقابل رئيس الوزراء دون أن يبلغ الملك بوصوله. «وعندما عرف الملك حسين بالأمر جاء مسرعا على دراجة نارية. ولحق به الحرس خائفين على سلامته، ومن شدة السرعة سقط أحدهم عن دراجته، لكنه لم يصب والحمد لله». والحمدلة من عند بريماكوف، الرفيق الشيوعي السابق، الذي يحدثنا الآن عن دوافع الإيمان عنده، وعن طغيان ستالين، ويقول لنا إن الحزب الشيوعي انهار من الداخل. فلم تكن هناك قوى خارجية قادرة على تفكيكه. لكن قوى منشقة كثيرة نمت مع السنين وأخذت أصواتها ترتفع وتحولت في النهاية إلى تجمعات واسعة. «لقد عارضوا، ليس فقط الممارسات الإجرامية لأفعال القمع الجماعي، بل والعقائد الاجتماعية الجامدة، والأفكار السخيفة والبالية في مجال المسلمات النظرية الرسمية». ويكشف بريماكوف أن السوفيات هم الذين أصروا على كاسترو لزرع الصواريخ في كوبا. وقد رفض بادئ الأمر. وفيما كان أنستاس ميكويان (مبعوث موسكو) يناقش في الأمر، وردت برقية من موسكو أن زوجته قد توفيت. وأبلغه كاسترو بالأمر لكنه «قال دعك من هذا فلنبحث في الصواريخ. ثم أدار وجهه وبكى».