غزلا بالقطايف

TT

المفروض في الشعراء المسلمين ونحن على أواخر هذا الشهر المبارك، رمضان الشريف، أن يشيدوا بفضائل الصوم وعبره وحسناته، ولكنني وجدتهم بدلا من ذلك، يهيمون ذكرا بأكلاته وأطايبه. سبق وأن أتيت على الكثير من ذلك في مناسبات سابقة. وطالما قيل إن المؤمنين حلويون، فقد لاحظت هذا الهيام بالحلويات التي ارتبطت تقليديا بشهر رمضان المبارك. تأتي في مقدمتها وبدون منازع البقلاوة والكنائف والبورك والبرمة والمعمول والزلابيا. بيد أن القطائف احتلت المكان الأسمى في نفوس الشعراء. لا أدري كيف أفسر ذلك، فأنا شخصيا من أنصار حزب البورك وأكثر الناس يعشقون البقلاوة. وهو ما عبر عنه شاعر شعبي بقوله:

ومنها بقلاوة ازدهت حشواتها

بفستق ملبس وسكر بالتمام

بيد أن قرائح الشعراء انصبت على القطائف. ربما يكمن السر في شاعرية الكلمة وعروبتها «قطائف»، التي ورد لها ذكر في قاموس محيط المحيط، على عكس البقلاوة التي تحمل أنفاس الغوغاء والدهماء وأخذناها من الأعاجم.

ترنم الشعراء والأدباء في رمضانياتهم بالقطائف، فكان أن دعا أحد المتأدبين زميلا شاعرا إلى مأدبة إفطار تضمنت صحنا فسيحا من الحلويات، فلاحظ أن صاحبه قد أوغل في التهام القطائف، فأنبه على ذلك، فرد عليه الشاعر بهذه الأبيات:

دعاني صديق لأكل القطايف

فأمعنت فيها غير خائف

فقال وقد أوجعت بالأكل قلبه

رويدك مهلا فهي إحدى المتالف

فقلت له ما ان سمعنا بميت

ينادى عليه «يا قتيل القطايف!»

وهكذا مزج الشاعر بين الغزل والظرف مداعبا صاحبه. بيد أن شاعرا آخر راح يمجد الحلويات الرمضانية ويشير فيها إشارة خاصة للقطائف فيقول:

ألذ شيء على الصيام

من الحلاوات في الطعام

قطائف نضدت فحاكت

فرائد الدر في النظــام

مقومات على جنوب

في الجام كالصبية النيام

تصنع القطائف من خيوط عجينية تشوى على صاج معدني، ثم تصب عليها الشيرة السكرية المطيبة بالهيل فتصبح كالنسيج المحلى الشبيه بقماش القطيفة، ومنها جاء اسم المادة، القطائف. وكان من ذلك ما وصفه الحريري في مقامته السنجارية، حيث كتب وقال:

فلا تعذلوني بعد ما قد شرحته

على أن حرمتم بي اقتطاف القطائف

أعاده الله علينا وعلى سائر المسلمين بما هو أهم من البقلاوة والقطائف، وأقصد بذلك الأمن والسلام والمحبة بين كل الأنام.