العقوق

TT

رويت مرة هنا، بندم واضح وحزن ملازم، أن علاقتي بأبي كانت متعثرة خلال طفولتي وشبابي ثم اعتدلت فيما بعد. ووردت على البريد رسائل كثيرة كلها، إلا واحدة، تظهر مشاعر التفهم والعطف والمساندة. قارئ واحد اختار أن يعاقبني، متحدثا عن العقوق، لا أقل. لم يسأل عن سبب التوتر ولم أكن قد أوضحت بدوري، أن السبب هو طبيعة العلاقة بين أبي وأمي ثم وفاتها مريضة وأنا طفل. أعرضت عن ذلك لأن الموضوع كان التندم على سنوات الضياع وليس أن أشكو أبي إلى أحد. وإذا ما شكوته ذات يوم فسوف يكون ذلك في معرض تعداد حسناته وشخصه وشكيمته.

كيف لشخص أن يتهم آخر بالعقوق هكذا؟ لقد درجت المسألة بكل حميميتها، لأعبر عن حزن لن يفارقني. شكوت من أجل أن أريح نفسي قليلا، ليس من عقوقي، فلم يعامل ابن والده كما عاملته طوال عمره بعد تلك المرحلة. ولكن بسبب ضعفي أحببت أن أقول إنني تأخرت في أن أعدل بسبب قصور في الوعي، لا بسبب قلة في الخلق. ولم أكن أطلب حكما ولا عطفا بل راحة في النفس عن شيء مضى منذ ماض بعيد، ومع ذلك لا يزال يؤرقني وسوف يظل. لأنني كنت أتمنى لو ولدت في بيت لا خلاف فيه، ولأن السنوات العشر التي عشتها في ظلال أمي ظلت وسوف تظل هي عقد الحياة الأول والأخير.

عقوق؟ لم يخطر لي يومها أن أعلق على رسالة القارئ المذكور. فقد أغنتني عنه الرسائل الأخرى الفائضة بعبق المشاعر. لكنني أيضا لم أنسها ولم تغب عن بالي. ولا أريد أن أعطي رسالة في البريد، تعبر عن مثل هذه الفظاظة، أكثر مما تستحق. لكنني عندما أصغيت مرة بعد مرة إلى الحوار الذي دار بين محمد بن نايف وبين صاحب «النقلة» في رمضان، قلت في نفسي، وهذا ماذا يسمى؟

بماذا تصف سلوك رجل تدعوه إليك وتطمئن إلى زوجة وأطفال رفيق مطلوب مثله وتقول له، كأنه ابنك، ضع الله في قلبك وتعال آمنا مطمئنا، فإذا به يأتي محشوا بالديناميت، والحقد ووضاعة القصد.

تخيل لو لم يكن هناك تسجيل صوتي للمكالمة بين محمد بن نايف وبين هذا الذي استبدلوا دماغه وحشوا أمعاءه، هل كان يمكن أن تصدق لو وزعت دائرة العلاقات في الداخلية النص مكتوبا، أن هذا القدر من النبل والسمو يقابل بهذا المدى من الوضاعة، أو لنجد كلمة أكثر تعبيرا بهذا المدى، أو التمادي في العقوق؟ العقوق هو ألا تندم وألا تحزن وأن تتغافل عما أعطيت. ذلك هو العقوق. ما حدث لي، كان علاقة مضطربة في مرحلة مضطربة في قصة حزينة.