القرني ونقاده وبائعة «الفصفص»!

TT

للشيخ عائض القرني مكانة خاصة في نفسي، ونفوس الكثيرين، فهو الداعية المعتدل، والوسطي، والمنفتح على آفاق ثقافية واسعة، وصاحب كتاب «لا تحزن» الذي وجد فيه الكثيرون طوق نجاة لمجالدة أحزانهم، وإحباطاتهم، وانكساراتهم، ليعودوا للحياة من جديد أكثر أملا، وتفاؤلا، وإشراقا، ومن خلال هذه الصورة التي تتسم بالإيجابية، ما كنت أتمنى أن يكون موقف الشيخ عائض القرني من الذين انتقدوا قصيدته «لا إله إلا الله» التي أنشدها الفنان محمد عبده بهذه الحدة، فلقد ذهب بعيدا، وهو يصف الكاتب قينان الغامدي، والروائي عبده خال، اللذين قالا بأن القصيدة تندرج ضمن النظم، وليس فيها شاعرية بأنهما ليسا مؤهلين لتقييم الشعر، وقوله: «لو أحضرنا عجوزا نيجيرية تبيع الفصفص ـ البذور ـ لعرفت في الشعر أفضل منهما»، وهو يرى أن على من ينتقد الشعر أن يكون شاعرا.

ولست أدري من أين أتى الشيخ عائض بنظرية أن نقد الشعر وقف على الشعراء، فالكثير من النقاد من قديم الأزمان يقيمون الشعر، وهم ليسوا شعراء، ثم إن «العجوز النيجيرية» التي تبيع البذور لا ينبغي بحال من الأحوال أن تستخدم هنا كمعيار للجهل، والشيخ أدرى بظروف هؤلاء وأوضاعهم وأحوالهم، وثمة عامل ثالث من المهم أن يضعه الشيخ في الاعتبار، فمن الأدبيات المتوارثة قولهم: «من ألف فقد استهدف»، والشيخ دخل ساحة تتسم بالحراك، وتتباين فيها الرؤى الجمالية، والأحكام، والقبول، وكان حري به أن يكون صبورا، واسع الصدر، رحب التقبل لمختلف الآراء، فالقصيدة استبقت بالكثير من الإثارة الإعلامية، ونقع الكلام، ومن حق الناس أن يختلفوا حولها، ما بين مادح وقادح، فالقصيدة اليوم بين يدي الناس، وللناس ـ كما يعلم الشيخ ـ ألسن وأقلام ودفاتر.

وكان يكفي القرني في تقديري أنه طرق بابا ظل موصدا لزمن طويل، وهو توظيف الفن لإيصال رسائل ذات مضامين إنسانية وأخلاقية سامية، وهو الأمر الذي لم يجرؤ على فعله الكثير من الدعاة قبله، لذا لا ينبغي أن لا يدع اختلاف الرأي يعكر جماليات الهدف، والمحاولة، والغاية.

ولا إله إلا الله.