أميركا تهاجر

TT

تعطي هالة غوراني، المذيعة الأكثر حيوية على الـ«سي إن إن»، صورة بالأضواء، عن «العولمة المعاكسة». منذ سنوات كنت أصر على أن العولمة ليست تطورا أميركيا حول العالم. لا الهامبرغر ولا دجاج ولاية كنتاكي والكولونيل العجوز ولا البيتزا. فالنفط العربي أكثر «عولمة» من أي شيء آخر. والسيارة الألمانية والراديو الياباني والآن الآلات الكورية والمنتجات الصينية. والذي يخفق ويفشل ويتخلف هو النموذج الأميركي في العمل والإنتاج والنجاح الذي ساد طوال القرن الماضي.

في الماضي كان كل عربي مهاجر تقريبا، يغير اسمه، من أجل أن تسهل حياته. محمد يصبح مايك. وخليل يصبح تشارلي. ورزق يصبح ريتشارد. وكذلك كان اسم العائلة يغير لكي يصبح سهل اللفظ وقريب الإيقاع من العائلات الأميركية. وقد علمت هالة غوراني ملايين المستمعين أن يلفظوا اسمها وما غيرت حرفا واحدا. ولا أستطيع أن أرى نموذجا للعولمة المعاكسة أكثر من هذه السيدة الحلبية التي درست في باريس وعملت باللغة الفرنسية على القناة الثالثة ثم ذهبت إلى الـ«سي إن إن» لتصبح الوجه الأكثر تعددا ثقافيا. والمثال الآخر طبعا الإيرانية كريستيان امانبور. وقد عرف عن أهل كورسيكا أنهم متعصبون لا يقبلون حتى سائحا أجنبيا. ودهشت أنهم قبلوا بسهولة ابن شقيقة زوجتي، زاهر السيقلي، رئيسا لتحرير أخبار القناة الثالثة على جزيرة نابوليون. ويدرس زاهر علم الأخبار التلفزيونية كأستاذ محاضر، من الدار البيضاء في المغرب إلى كييف في أوكرانيا.

لم يغير أمين معلوف اسمه كما فعل أعمامه الذين هاجروا إلى كوبا والولايات المتحدة. وكان نقولا حايك مخترع ساعة «السواتش» ومنفذ صناعة الساعات في سويسرا و«بائع الميا في حارة السقايين»، كان يتجاهل أصله اللبناني ويرتاح إلى عائلة ألمانية تحمل الاسم نفسه. لكن بعد نجاحه لم يعد يجد ضررا في القول إنه يتناول كل صباح اللبنة و«مناقيش»، أو فطائر الصعتر البري. أي كافيار الفقراء والبسطاء في لبنان.

أجد مثالا جميلا آخر في فريد زكريا، الذي رفع مهنة الصحافة الأسبوعية في أميركا من خلال عمله في «نيوزويك». ولم يعد أحد يفاجأ بأن الحاكم العام (الرئيس) في كندا سيدة من الصين أو من هايتي. لون العالم يتغير وكذلك الطريقة التي يتهجأ بها اسمه.