شوارعنا: شارع التنهدات!

TT

أما أجمل شوارع القاهرة على أيامنا فهو شارع التنهدات أو شارع التأوهات.. وليس هذا اسمه. وإنما اسمه شارع الجبلاية.. أي الجبل الصغير. وهذا الجبل الصغير موجود في حديقة الأسماك..

وهذا الشارع على النيل يبدأ بفيلا أم كلثوم.. ثم بالعمارة التي يسكنها الروائي الكبير إحسان عبد القدوس وبيت فاتن حمامة وإلى جوارها يسكن الصحفي الكبير على أمين.. ويوجد أحد الأندية الرياضية. لم أعرف اسمه ـ هو الآن النادي الأهلي ـ وإلى جواره ملعب سباق الخيول. ويمضى الشارع إلى نهايته، حيث يوجد تمثال رئيس الوزراء أحمد ماهر..

وكان هذا الشارع شاعريا.. أشجار لها ظلال حانية وكانت في الليل ستائر من الضوء الخافت والسكون الجميل وأحيانا كنا نسمع موج النيل. ولم تكن له أمواج وإنما زوارق صغيرة تنساب كأنها أسماك لا خوف لها من أحد..

وأما المصابيح فهي تتوارى، أو أنها تغمض عينيها حتى لا يرى العشاق بعضهم البعض.. أما العشاق فكثيرون جدا جالسون وسائرون ومتعانقون. وكلنا ستر للآخرين. وكلامنا همس ولمس تماما كأغصان الأشجار وموجات النيل وأصوات خافتة لا نعرف من أين تجيء.. فكل واحد أو اثنين لا صوت لهما.. وإنما كأننا حالمون فلا نحن نيام ولا نريد، ولا نحن أيقاظ ولا نريد.. وكلنا ستارة للآخرين..

وقليلا ما نبتسم بعضنا لبعض، فنحن سعيدون وقد تلاقينا كثيرا على البعد.. ولم يحدث أن امتدت أيدينا ولا أعيننا ولا آذاننا.. وإنما كل واحد في حاله، وحاله أن يظل بعيدا..

أما اليوم ـ والعياذ بالله ـ فقد صحونا في فزع.. أم كلثوم ماتت.. وفاتن حمامة انتقلت إلى فيلا في المقطم.. وإحسان عبد القدوس توفي.. وخرجت من تحت الأرض مطاعم مزعجة وسدت علينا النيل، والمصيبة الكبرى أن اختفت الخيول وظهر النادي الأهلي، ضوضاء ومطاعم لها أضواء قبيحة.. ضاع الشارع والناس، حتى دار الأوبرا هي الأخرى أصابها النادي الأهلي بالضوضاء حولها.. ضوضاء السيارات والمصابيح..

الشارع الآن اسمه التأوهات والآهات على الذي كان ولم يعد إلا ذكرى أليمة..

يتبع