البدء من جديد بخصوص الرعاية الصحية

TT

باتت مسالة إصلاح الرعاية الصحية هي الأولى في الوقت الراهن، ومع كل الاتهامات والاتهامات المضادة الجاري تبادلها فإن الفريق الذي سيتأثر قطعا، وهو الشعب الأميركي، يقف مشدوها تتملكه الحيرة، وله كل العذر في ذلك. علاوة على ذلك، يعتمل الغضب في نفوس الكثيرين منهم. المؤكد أن إصلاح الرعاية الصحية مهمة كبرى، لكن الملاحظ أن عددا ضخما على نحو مفرط من الإجراءات جرت صياغته داخل اللجان التابعة للكونغرس على أيدي أعضاء ليبراليين في الحزب الديمقراطي. وأصبح الأمر أكبر من قدرة أي فرد على التحمل.

بعد 35 عاما داخل الكونغرس، تولد لدي إدراك بأنه تحين فترات يصبح فيها من الأفضل البدء من جديد. ولو كنت مستشارا لدى البيت الأبيض لاقترحت ضرورة طرح التصور الخاص بالرئيس أوباما لإصلاح الرعاية الصحية على القيادات الديمقراطية داخل مجلسي النواب والشيوخ في يوم إعادة انعقاد الكونغرس. لقد بات إصلاح الرعاية الصحية القضية الحيوية الأولى في وقتنا الحاضر، وينبغي أن يخرج أوباما إلى مقدمة الصفوف وبحوزته خطة محددة حيال هذه القضية.

لقد تعلم الكثيرون منا أن الرئيس يقترح والكونغرس يقرر، أما اليوم فقد أصبح الكونغرس يضطلع بالدورين معا ـ بينما تراجع دور الرئيس إلى قائد فريق التهليل، حيث تركز اهتمامه على تنفيذ حملات لحشد التأييد لجهود اللجان المتنوعة التابعة لمجلس النواب. قطعا، يؤيد أوباما الكثير من هذه المقترحات، لكن باراك أوباما رئيسنا، وليس معلقا صحافيا.

وستقفز معدلات تأييد أوباما 10 نقاط إذا ما أدرك الأميركيون أنه يستحوذ تماما على زمام الأمور في يديه، كما أن اتخاذه خطوة تكتيكية لطرح الخطة الخاصة به ستستحث مزيدا من الجمهوريين على العمل بنشاط من أجل إقرار إصلاحات في قطاعات حيوية. حاليا، تكمن مشكلة الرئيس الكبرى في أعضاء الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، الذين يعانون من الانقسامات ويبحثون عن سبيل للخروج من المتاهة الطبية التي وجدوا أنفسهم فيها.

خلاصة القول هي أن الرئيس والكونغرس والرأي العام يعانون جميعا جراء هذا الأمر، وهو نمط من المعاناة التي لا يغطيها التشريع المطروح للرعاية الصحية. عندما عملت زعيما لأعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، أتذكر أن الرئيس رونالد ريغان أخبرني ذات مرة بعدما أرسل مشروع قانون كي أطرحه، أنه يرغب في إقراره بأكمله، لكن إذا تمكنت من تمرير ما يتراوح بين 70% و80% منه فإنه يتعين علي المضي قدما في جهودي، وسيعمل هو على تمرير الجزء المتبقي لاحقا. ورغم أنه لم يجرِ النظر إلى أي من ريغان أو أوباما باعتبارهما يتمتعان ببراعة خاصة في التعامل مع الكونغرس، فإن كليهما يشتهر بشعبيته الكبيرة ولإدراكه فن السعي وراء أكثر مما يمكنهما، منطقيا، توقعه.

الآن عليكم التفكير في هذا الأمر: أعضاء الكونغرس يودون الحفاظ على وظائفهم، ومع أنهم يساندون رئيسهم فإنهم يرغبون في الوقت ذاته في الإبقاء على مناصبهم والوصول إلى خطة جيدة للرعاية الصحية (على غرار تلك التي يتمتعون بها حاليا)، وبعد ذلك يأتي الرئيس أو حتى الرئيس القادم، وعليه فإن الأصوات المرتبطة بهذه القضية لا تتسم ببساطة بطابع حزبي، وإنما تتعلق بالبقاء. وسيفكر معظم المشرعين، سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، طويلا وبجد قبل الإقدام على الإدلاء بأصواتهم، كي لا يلقوا بأنفسهم في هوة لا قرار لها.

وبمجرد أن يحدد الرئيس موقفه، الأمر الذي سيوفر مساحة لإدخال تعديلات، وسيتقلص نطاق النقاش، يمكن حينئذ للمساومات الحزبية والصور الأخرى للمناورات الحزبية البدء.

ويتمثل الهدف الرئيسي في تمرير التشريع دون دفع دوائر معينة داخل القطاع الخاص، مثل صناعة التأمين الصحي، خارج حلبة النشاط التجاري على هذا الصعيد. ويمكن تسوية قضايا مثل التكاليف الإدارية والتغطية بالنسبة لأصحاب الظروف المسبقة دون اللجوء إلى أي «خيار عام» أو بند «التعاون» الجاري مناقشته حاليا. كل هذا يمكن إرجاؤه لخمس سنوات أو أكثر. وإذا لم تبدِ الصناعة بحلول ذلك الوقت تحسنا ملحوظا، فيمكن حينئذ فرض الإصلاحات، نظرا لأن معظم بنود التشريع المقترح، حال تمريرها، لن يجري تنفيذها قبل ما بين ثلاثة إلى أربعة أعوام في جميع الأحوال. شخصيا، أعتقد أن الصناعة تتحلى بالشعور بالمسؤولية، وستحرص على تعديل ممارساتها على النحو المناسب في أسرع وقت ممكن.

نظرا لخروجنا من الكونغرس الآن، افتقدنا القدرة على الإدلاء بصوتنا وفقدنا نفوذنا، لكن لا نزال نتمتع بمصداقيتنا. ومن الأمور السارة لنا أن الكثير من المشرعين، خصوصا زعيمي «لجنة التمويل» بمجلس الشيوخ، ماكس بوكوس، عضو الحزب الديمقراطي، وتشك غريسلي، عضو الحزب الجمهوري، تعاملوا على نحو إيجابي مع بعض مقترحاتنا.

على الجانب الآخر يحمل أعضاء الحزب الجمهوري بداخلهم أفكارا مختلفة، لكنهم يتبعون في الجزء الكبر منهم توجهات إيجابية حيال الإصلاح إذا ما اضطلعت الحكومة بدور محدود لأقصى درجة ممكنة. وسيساور الندم الديمقراطيين في نهاية الأمر إذا ما وجد الجمهوريون أنفسهم مجبرين على اتباع نهج حزبي في التصويت. ومع أن أوباما سيتلقى إشادة حال تمرير التشريع فإنه، في الوقت ذاته، سيتحمل اللوم إذا لم ينجح التشريع في صورته النهائية من كسب سوى عدد ضئيل من أصوات الجمهوريين، وترتب عليه مزيد من الضرائب ومزيد من التدخل الحكومي والنفقات. أما التوصل إلى نهاية تحمل توقيع الحزبين فستتميز بمصداقية أكبر في أوساط الشعب الأميركي. في الواقع نالت معظم أهم التشريعات التي صدرت على امتداد التاريخ الأميركي تأييدا واسع النطاق من كلا الحزبين، وباعتباري أحد أنصار توجه مشترك بين الحزبين لإصلاح الرعاية الصحية، آمل أن يكون الرئيس قد نال قسطا من الراحة أخيرا، وآمل كذلك في أن يضع اللمسات الأخيرة على مشروع قانون الرعاية الصحية الذي تقدم به.

*عضو مجلس شيوخ متقاعد

عن الحزب الجمهوري من كنساس وزعيم سابق للأغلبية.