عمل ونظافة!

TT

«العمل عبادة» قول مأثور، يقابله واقع أليم ومزعج حين نعلم أن معدل إنتاجية الموظف في اليوم الواحد في بلد كمصر لا تتجاوز الـ27 دقيقة، وفي بلد كالسعودية بالكاد تصل إلى 35 دقيقة، ولن يختلف معدل الإنتاجية المتدني هذا في باقي الدول العربية.

«النظافة من الإيمان» قول مأثور آخر، معنى بليغ وقيمة سامية، ولكن الحقيقة تبقى صادمة ومؤلمة جدا، وإلا كيف من الممكن تفسير أرتال القمامة المتناثرة في شتى أحياء وشوارع القاهرة بشكل مرعب، حتى باتت تعيق تحرك الناس والسيارات، نتاج خلاف كبير بين الشركة المكلفة بجمع النفايات وبين العمال بها، أو كيف يمكن تفسير وضع مدينة كجدة كانت يوما ما توصف بعروس البحر الأحمر، وها هي اليوم تئن تحت وطأة جريمة التجاوزات التي حصلت بحق تنفيذ شبكة الصرف الصحي، ونتج عنها أكبر حالة تلوث ضربت في صميم البنية التحتية للمدينة، وانهيار تام لشواطئها وهوائها، وذلك من ناحية جودة النوعية والشروط القياسية العالمية المعتمدة.

لا عمل ولا نظافة! أنماط العمل وأسلوب إدارة المنشآت والاهتمام «بعدد» الموظفين بدلا من إنتاجيتهم ولدت اقتصاديات متآكلة، رخوة، لا يمكن الاعتماد عليها وعلى استدامة نموها، وكذلك باتت منبعا للفساد والروتين والمحسوبية. وما يقال بحق الإنتاجية يقال بحق «فكرة» النظافة، التي باتت مشهدا معتادا، سواء سمي بأسماء «كبيرة» كالتلوث، أو بأسماء «بسيطة» كالقذارة والأوساخ!

رئيس الوزراء السنغافوري الأسبق، لي كوان يو، بكى حينما طردته ماليزيا من اتحادها وقال لشعبه: أمامنا تحدٍ هائل وكبير. وكان مهووسا بالإنتاجية والنظافة، وحول هذه الجزيرة النائمة، معقل الصيادين والقراصنة، إلى أنموذج بديع للتألق الاقتصادي والإنتاجية المميزة والنظافة المبهرة. كانت المصاعد القديمة في هذه الجزيرة النائية تحمل لوحة تقول «نرجو عدم التبول في المصعد»، مما يعني أن هذه مشكلة كانت قائمة، وبالتالي تحولت النظافة إلى هوس في عقل لي كوان يو فأصبحت هناك غرامات مهولة بحق من يرمى قاذورات في الشارع أو لا يسحب جهاز «السيفون» في المراحيض العامة، أو يرمى بالعلكة في الشارع (لأن العلكة يلتصق في الأرض وتستغرق إزالته وقتا أكبر، مما يعطل عمال النظافة!). أمم اهتمت بظاهر وشكل العبادات وتناست المعاملات، فجوة أخلاقية كبيرة بين الفكرين ولا شك. محافظ القاهرة سيستمر في منصبه دون حراك وسط أزمة كارثية كفيلة بإضافة أعباء مرضية جديدة تنافس الطيور والخنازير وإنفلونزيتهما، والمتسبب في كارثة الصرف الصحي بجدة يستمر دون عقاب، وبالتالي كل من أمن العقوبة حتما سيسيء الأدب، إنها قاعدة قديمة ولكنها حقيقة. أما الإنتاجية ومدى بعدها عن المعدلات العالمية فالمقارنة حزينة جدا ومخجلة، ومن العيب إدراجها. وطبعا مع شهر رمضان يتحول العمل إلى «هواية» وفقط في وقت الفراغ! والنظافة ليست مشكلتنا!

[email protected]