اغتيال فاشل للأمير وللانتماء

TT

اتركوا للخيال أن يسرح بنا ولنشطح كثيرا في رسم سيناريوهات هذا الخيال لننام ونصبح على السلفية في المملكة وقد أصبحت شيئا من الماضي، والمساجد وقد صارت تقتصر على الصلاة، والصلاة فحسب، فتغلق أبوابها بعد التسليمة الثانية، فلا دروس دينية ولا محاضرات إسلامية ولا حلقات لتحفيظ القرآن ولا مسابقات في التنافس على حفظه، والعلماء وقد صار جل اهتمامهم في التركيز على محاسن الأخلاق ولم يعد لهم أي اهتمام بمسائل الفكر والعقيدة الإسلامية ولا عناية لهم بالدروس العامة، والمؤسسات الخيرية التي ترعى الفقراء والأيتام والأرامل في الداخل والخارج وتهب لكل كارثة إنسانية في العالم وقد اندثرت وتلاشت، والمناهج التعليمية وقد نسفت وأعيد تأسيسها لتركز على الجانب العلمي فقط، فلا مقررات إسلامية ولا نشاطات دينية في المدارس ولا أنشطة خارج الصف لا في الصيف ولا في فصول السنة الأربعة.

السؤال هو: هل هذا يكفي لنزع جذور الإرهاب في المملكة واستئصال شأفة الغلو وتقويض أساسات التطرف كما يصرح أو يلمح أو يحلم به بعض المثقفين؟ أنا أطرح هذا السؤال المبني على وضع متخيل، لأن الوهابية والسلفية ومناهج التعليم والمؤسسات الخيرية والمؤسسات الدينية الرسمية والجامعات الإسلامية والمعاهد الدينية وحلقات تحفيظ القرآن الكريم والعلماء والنشاطات الطلابية الصيفية مفردات لا بد أن يشير إليها أو إلى بعضها هؤلاء المثقفون، تصريحا أو تلميحا، كلما تفجرت أحداث إرهابية داخل السعودية أو خارجها، وآخرها وأشدها خطورة محاولة الاغتيال الآثمة والفاشلة لشخصية أمنية إسلامية ركينة، هو الأمير محمد بن نايف الرجل الثالث في وزارة الداخلية السعودية.

بالتأكيد ليس من حق أحد أن يصادر رأي أي أحد في محاولة علاج مشكلة الإرهاب والتطرف، ما دام أن هناك إجماعا وطنيا على تشخيص المشكلة، لكن الخطورة تكمن في بعض الحلول «المتطرفة» التي يطرحها بعض المثقفين وهم لا يدركون أن مثل هذه الحلول تعقّد المشكلة، بل لا أبالغ إذا قلت بأنها تغذي الإرهاب وتخلق بيئة التطرف، كثير من هؤلاء المثقفين لا يعرف عن الحوارات الساخنة التي تجري بين المنتمين إلى فكر الإرهاب والتطرف وبين المعتدلين من المتدينين وطلبة العلم الذين يتشبثون بهذه المظاهر الإسلامية في الدولة والمجتمع، في محاولة وأد أفكار هؤلاء الإرهابيين والتكفيريين، ولكم أن تتخيلوا لو أن السيناريو الذي بدأت به مقالتي قد حصل، أو حتى بعضه، حتما سيتخذه الإرهابيون حجة في تجنيد الشباب الغض إلى صفوفهم.

الخطورة التي يمثلها محمد بن نايف على الإرهابيين ليست في الملاحقة الأمنية لكوادرهم، ولا في زجه برموزهم في السجون فحسب، بل لأنه يضربهم بالعصا التي يحملونها، لقد انطلق في مواجهته لهم من منطلق إسلامي معتدل، واستطاع بتدينه وحنكته أن يضم إلى قافلة المحاربين للإرهاب عددا مؤثرا من العلماء وطلبة العلم، وهذا نجاح كبير للأمير وللوطن في الصراع مع الإرهابيين، إذ إن إحدى استراتيجيات قادة الإرهاب محاولة إقناع أكبر عدد من هؤلاء العلماء وطلبة العلم للانضمام إلى صفوفهم والتنظير لفكرهم، فتحييدهم مكسب، فكيف بمساندتهم الصريحة للدولة في حربها الطويلة مع الإرهاب.

ثمة أمر آخر يحسب للأمير الذي يقف بصلابة في خطوط الجبهة الأمامية ضد الإرهابيين الذين يستخدمون خطابا إسلاميا ومفردات دينية، وهو أنه لم ينزلق إلى الطرف الآخر من الساحة في تبني أفكار متحررة تصادم الدين أو تخلق خصومة مع مجتمعه المحافظ، ولهذا جاء التعاطف الشعبي مع الأمير منطقيا وطبيعيا.

إن محاولة المساس ولو بأحد الأساسات الإسلامية للدولة السعودية من شأنه أن يسجل نقاطا في معركة توجهات، لكنه في النهاية لا يمثل في الحقيقة إلا خرقا لثقب في سفينة الوطن في حربه مع الإرهاب وغير الإرهاب.