شوارعنا: شارع الكفار!

TT

اسمه شارع مصنع الطرابيشي في منطقة العباسية. ليس للشارع معالم. وإذا كانت فأنا لا أذكرها. ويبدأ الشارع بمدرسة الطائفة الإسرائيلية. وينتهي الشارع بالدير الدومنيكي، أي الرهبان الفرانسيسكان الكاثوليك.. ولا بد أن للشارع صفات أخرى. ولكن أكذب لو قلت إنني اعرفها أو عرفتها في ذلك الوقت. وذلك الوقت هو أيام الدارسة الجامعية..

أقول لك كيف كانت حياتنا.. ففي مدرسة الطائفة الإسرائيلية كنت أدرس اللغة العبرية. وكانت دراسة غريبة وممتعة وشاقة جدا. فهناك كتاب فلسفي مشهور اسمه «دلالة الحائرين» للفيلسوف اليهودي الكبير موسى ابن ميمون، الذي جاء من المغرب وتوفى بمصر. هذا الكتاب كتبه الفيلسوف باللغة العربية ولكن بحروف عبرية ولغة قديمة.. وبعض العبارات تحتاج إلى شرح. وكان أستاذنا هو ليفي هراري.. يهودي مصري.

وهذا الفيلسوف يسمونه الرباني موسى بن ميمون (1135-1204)، ولد في قرطبة في الأندلس، ثم هاجر إلى المغرب، وفى الثلاثين من عمره هاجر إلى مصر ورأس الجالية اليهودية وصار طبيبا خاصا لصلاح الدين.. فلم تكن دراسة اللغة العبرية فقط دراسة للغة، وإنما للفلسفة اليهودية. وكانوا يسمون ابن ميمون موسى الثاني، أما موسى الأول فهو نبي الله موسى عليه السلام..

أما الدير الدومنيكي فكان لدراسة الفلسفة المسيحية. وكان في الدير رهبان أصدقاء. فكان الصديق الأب قنواتي، وعلى يديه كما يقول العرب تعلمت الديانة المسيحية والفلسفة المسيحية في العصور الوسطى.. وكان الدير هادئا هامسا، كل واحد التفت إلى نفسه وإلى كتبه. وبيننا نلمح الرهبان يمرون في هدوء ويسألون إن كان أحد يريد مساعدة. وكنا نريد. ونطلب ويستجاب لنا. وكان الأب قنواتي، وهو راهب مصري رئيس جمعية «إخوان الصفا وخلان الوفاء»، معنيا بنشر الفلسفة الإسلامية. ومن أعضاء الجمعية أساتذة لنا:

د.عبد الرحمن بدوي ود.محمود خضيري..

صدقني والله لم أر من هذا الشارع شيئا لا ذهابا ولا إيابا، فقط المدرسة اليهودية والدير المسيحي. وقد قطعت هذا الشارع سنوات!

يتبع