اليمن ليس مشكلة أمنية

TT

لا يوجد شك حول ميزان القوة بين الدولة اليمنية والمتمردين الحوثيين في صعدة في القتال الدائر هناك والذي سمي بالحرب السادسة خلال نحو 5 سنوات من صراع دام حصد آلاف الأرواح والكثير من الموارد وشتت الكثير من العائلات التي أصبح يطلق عليها اسم نازحين الآن بعدما هربت من منطقة القتال.

فالدولة اليمنية تملك قدرات الجيش والطيران والشرعية, وقدرا كبيرا من التوافق الإقليمي والدولي حولها, بينما المتمردون في النهاية, ومهما كانت مصادر تمويلهم وتسليحهم ليسوا في النهاية سوى ميليشيا, أقصى ما تستطيع أن تفعله هو استنزاف الدولة في صراع طويل يأكل الموارد, ويجعل البلاد تدور في حلقة مفرغة.

وفي مثل هذه الصراعات أو الحروب الداخلية فإن الحل الأمني وترسيخ السيادة لا يكون هو العلاج وحده.

وحتى لو تم القضاء على التمرد نهائيا بالطرق العسكرية والأمنية، فلا بد أن يكون هناك تفكير حتى في فترة العمليات العسكرية، فيما يمكن أن يفعل سياسيا واجتماعيا بعد أن يتوقف صوت الرصاص, وكيف يمكن أن تعالج الدولة الموقف بطريقة تحتوي أسباب وجذور التمرد, بالطبع بما لا يهدد سلامة الوحدة الوطنية والمحافظة على السيادة.

وواقع حال اليمن يُظهِر أن التوترات التي تأخذ في أحيان كثيرة طابعا عنيفا لم تتوقف قبل وبعد الوحدة بين الشمال والجنوب في عام 1994, واتخذت أشكالا عديدة, سياسية واجتماعية وقبلية لأسباب مختلفة, واليوم تظهر 3 تحديات تواجه الدولة اليمنية وتأخذ شكلا أخطر من كل ما سبق على كيان الدولة نفسها، فهناك التمرد في صعدة والذي يبدو أنه يدخل في جزء منه في إطار صراع إقليمي أكبر, وهناك مشكلات الصدامات التي حدثت في الجنوب أخيرا, وهناك أيضا خطر التطرف والقاعدة التي تسعى إلى إيجاد موطئ قدم ثابت لها هناك بطريقتها وأسلوبها في استغلال مناطق الاضطراب, كما فعلت في أفغانستان سابقا, وذلك من أجل تصدير شرورها إلى المنطقة وإلى العالم.

ولا بد أن يلقى كل هذا اهتماما إقليميا ودوليا, فاليمن دولة استراتيجية هامة في شبه الجزيرة العربية, وعلى مدخل البحر الأحمر وقرب الخليج عند ممرات الملاحة الهامة, وهي ستكون أخطر بكثير على الأمن الإقليمي والدولي من أفغانستان لو نجحت تنظيمات متطرفة في السيطرة على أجزاء منها لتحولها إلى قاعدة لها, خصوصا أن الصومال على الجهة المقابلة لا يزال في حالة اللا دولة, والعالم يعاني من مشكلات قرصنة بحرية, وتغلغل تنظيمات متطرفة مسلحة هناك.

وفي الحالة اليمنية لا يحتاج الأمر إلى تفكير وبحث كثير لإدراك أن جزءا كبيرا من هذه المشكلات والتوترات التي لا تنتهي تتعلق بمشكلة التنمية والفقر, وتحسين مستوى معيشة الناس, فليس هناك أي شك في أن تحقيق أي قدر من النجاح في هذا الاتجاه سيخفف بدرجة كبيرة كل هذه المشكلات والتوترات، وتعظيم القدرات الاقتصادية.

وإذا كان هذا هو الحال, فإن التفكير يجب أن يتجه إلى كيفية مساعدة اليمن اقتصاديا وتنمويا على التغلب على مشكلاته في إطار تفكير طويل الأجل يهدف إلى تحقيق تنمية حقيقية على اعتبار أن تحقيق نتائج يحتاج إلى وقت ليس قصيرا في هذه الأمور, فتحديث التعليم مثلا يحتاج إلى جيل, والمشروعات تحتاج في بعض الأحيان إلى سنوات لتبدأ الإنتاج والتوظيف. وبالطبع فإن المهمة الأولى تقع على اليمن وسلطاته في تقديم المناخ والسياسات والقدر المناسب من الشفافية الذي يجتذب الأموال والاستثمارات, وأيضا الحزم في محاربة أفكار التطرف من جذورها.