الخطة البديلة لإصلاح الرعاية الصحية

TT

من المتعذر على أي شخص إنكار انعدام فاعلية الجهود التي يبذلها الرئيس الأميركي باراك أوباما لإصلاح الرعاية الصحية. عادة ما يوحي المرشح الانتخابي الذي يتمتع بمهارة فائقة بتمتعه بموهبة ممارسة الحكم وإجراء اتصالات مع مختلف الأطراف على نحو مناسب، لكن الملاحظ أنه فيما يتعلق بعدد من القضايا المحورية مثل الخيارات العامة وأساليب التمويل، اتسم فريق العمل المعاون لأوباما بالتردد والتناقض. وجاء الموعد الزمني النهائي الذي حدده الرئيس بعطلة الصيف للسلطة التشريعية متسرعا ومفتقرا إلى الجدية. (ومثلما أوضح حاكم ولاية مسيسيبي، هيلي باربور، عضو الحزب الجمهوري، قضى أوباما مزيدا من الوقت في مداعبة كلب البيت الأبيض عما خصصه لتناول تنفيذ إصلاح شامل للرعاية الصحية). وقد سمح أوباما للبيت الأبيض التقدم بمشروع قانون باهظ التكلفة على نحو مدمر، بحيث يجري تمويله من خلال خدعة حسابية كبرى، علاوة على مواجهته معارضة من جانب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي. والآن، يحمل الحديث عن اتباع نهج حزبي انفرادي تجاه فرض القانون نبرة يائسة.

إلا أن كل هذه الجهود المفتقرة إلى الحرفية تترك انطباعا خادعا. رغم الجهود التي بذلها أوباما، يبدو نمطا ما من إصلاح الرعاية الصحية محتملا. الواضح أن الديمقراطيين لهم مصالح سياسية في تمرير إصلاحات أقل إثارة للفزع وذات طابع تدريجي أكبر. ومن شأن الإخفاق في تحقيق ذلك إثبات عجزهم عن إدارة الحكم. ومن الصعب تخيل إقدام أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين على إذلال رئيس جديد واعد فيما يتعلق بمبادرته السياسية الرئيسة. وما زال من المحتمل إمكانية ظهور إصلاحات ذات طابع محدود أكبر من داخل مجلس الشيوخ، حيث يهيمن الديمقراطيون في لجنة التمويل على الواقع المالي. وحال صدور خطة جادة عن مجلس الشيوخ بهذا الشأن، حتى لو تمتعت بدعم جمهوري محدود، فإن بإمكانها إحداث تحول سريع بالنقاش الدائر حول الرعاية الصحية.

إذن، ما هي البدائل؟ أولها: توجه يقوم على فكرة اتخاذ خطوة للخلف، ذلك أن باستطاعة أوباما التخلي عن الخطط المثيرة للجدل الرامية لإشراك عناصر جديدة في سوق التأمين الصحي ـ إما الخيار العام أو التأمين التعاوني ـ وفي الوقت ذاته الاحتفاظ بالعناصر الجوهرية من خطته الحالية: إصلاح التأمين الصحي وتفويض تأميني فردي وإعانات حكومية للأفراد لشراء تأمين. ومن المتعذر الفصل بين هذه العناصر. إصلاح التأمين بمفرده (الحيلولة دون منع شركات التأمين للتغطية عن أفراد ذوي ظروف مسبقة أو فرض رسوم أعلى بناء على الظروف الصحية) من شأنه السماح للأفراد بشراء تأمين عندما يمرضون ولا يفرض عليهم شراؤه في فترات تمتعهم بصحة جيدة، مما يجعل من المتعذر استمرار النظام على المدى البعيد. وعليه، يجب إجبار الجميع على الانضمام إلى سوق التأمين عبر مطلب فيدرالي. ويبقى هذا التكليف غير واقعي إلا إذا جرى تمكين الأفراد الأقل دخلا من شراء تغطية اعتمادا على إعانة مالية.

إذا كان الاعتراض الرئيسي على إصلاح الرعاية الصحية آيديولوجيا ـ يتعلق بالقلق حيال تقويض الحكومة الفيدرالية للتأمين الصحي الخاص ـ فإن التوجه القائم على اتخاذ خطوة إلى الوراء قد يخفف حدة المعارضة. لكن إذا دارت المخاوف العامة الرئيسية حول الإنفاق ـ الأمر القائم بالفعل ـ فإن هذا الخيار لا يحل المشكلة. من المنظور الحسابي البحت، تتسم التغطية التأمينية الشاملة بتكلفتها الباهظة. حتى تقليص الإعانات لا يخلق سوى اختلافا هامشيا على مجمل التكلفة.

ثانيا: بإمكان أوباما التخلي عن التغطية الشاملة والتركيز على توفير القدرة على الحصول على الرعاية الصحية لأبناء طبقتي الفقراء والعمال. ومن الممكن الفصل بين إحداث توسع جاد في برنامج «ميديكيد» ـ المتضمن بالفعل في المقترحات الصحية المعروضة على مجلسي النواب والشيوخ ـ عن الإصلاحات الأخرى وتوسعته إلى المستوى الذي يراه الكونغرس مناسبا. ونظرا لأن هذا الخيار يعمل على توسيع دور فيدرالي قائم بالفعل على صعيد الرعاية الصحية بدلا من استحداث آخر جديد تماما، فإنه أقل إثارة للفزع. الملاحظ أن الاعتراض الرئيسي يأتي من قبل حكام الولايات. جدير بالذكر أن تكاليف «ميديكيد» يجري التشارك فيها بين الحكومة الفيدرالية والولايات. ومن شأن إضافة عدة ملايين من الدولارات إلى «ميديكيد» تحميل حكومات الولايات تكاليف إضافية في المستقبل. حتى حال تحمل الحكومة الفيدرالية التكاليف كافة لبضع سنوات، ستجد الولايات نفسها في نهاية الأمر مجبرة على دفع نصيبها. وسيتعين على الكونغرس طرح صفقة جذابة على حكومات الولايات.

ثالثا: باستطاعة أوباما الإبقاء على تعهده بتوفير رعاية صحية شاملة، لكن مع تقليص طموحاته بالنسبة للتغطية على نحو بالغ. إن التكاليف الصحية باهظة الارتفاع هي التي تدفع الأفراد نحو الإفلاس. وباستطاعة أوباما اقتراح خطة لتمويل تكاليف الرعاية الصحية للمرضى بمجرد تجاوز فواتيرهم حد أقصى معين. ومن الملائم سياسيا إقرار مزيج من الخيارين الثاني والثالث. وسيتعين على أوباما الاعتراف بأنه ليس بمقدوره الوصول إلى كل ما يرغبه في إطار هذه البيئة المالية، مع تأكيده على أنه سيعمل على تغطية المزيد من الفقراء مع ضمان عدم سقوط أي شخص داخل أميركا في هوة الإفلاس جراء تكاليف الرعاية الصحية الكارثية. وعليه، سنقدم إضافة إلى الفئات الأكثر احتياجا ـ وإضافة أخرى إلى كل شخص داخل البلاد في أكثر لحظاتهم احتياجا. ومع أنه ليس هناك من بين هذه المقترحات ما بإمكانه حل مشكلة تضخم التكاليف الصحية ـ فإن القول ذاته ينطبق على جميع التوجهات الأخرى الجاري دراستها حاليا. لكن مثل هذا المقترح المتواضع ربما يساعد في إعادة بدء نقاش مثمر حول الرعاية الصحية، والعودة إلى البراغماتية الرئاسية وقيادة الديمقراطيين باتجاه تحقيق نصر جديد.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»