كيف تخسر المعركة في أفغانستان؟

TT

لن تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق النصر في الحرب الدائرة في أفغانستان خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، بل إن تحقيق أي شكل من أشكال النصر المحدود سوف يحتاج إلى سنوات من الجهود الحثيثة. ولكنها يمكن أن تخسر الحرب ببساطة؛ ومن خلال عملي في مجموعة التقييم التي تقدم الاستشارات المتعلقة بالاستراتيجية للقائد الأميركي الجديد ستانلي إيه ماكريستال، لم أر أي مسارات بسيطة لتحقيق النصر، ولكنني رأيت بوضوح الأسباب التي يمكن أن تجعلنا نخسر تلك الحرب.

وتعد الإمدادات من أهم العوامل التي قد تؤدي إلى الخسارة؛ فبين عامي 2002، 2008 لم تقدم الولايات المتحدة للقوات الأموال أو القيادات التي تحتاج إليها لكي تتمكن من تحقيق النصر؛ مما أهدر جهد أكثر من نصف قرن. فقد تركت الولايات المتحدة فراغا سياسيا في معظم أنحاء أفغانستان يمكن أن تستغله حركة طالبان والمتمردون الجهاديون، ولم تستجب واشنطن عندما طلب فريق السفارة الأميركية في كابول مزيدا من الإمدادات.

فقد أعطت إدارة بوش الأولوية لإرسال القوات إلى العراق، وتحدثت حول نجاح جهود المساعدة المدنية في أفغانستان والتي كانت تفتقر إلى القوى البشرية الكافية وكذلك الإمدادات، كما أنها لم تتخذ رد فعل تجاه فساد حكومة حامد كرزاي المتزايد أو المشكلات الرئيسية التي أفرزتها المحاذير والقيود على استخدام قوات التحالف والمساعدات.

بالإضافة إلى أنها تعاملت مع باكستان باعتبارها حليفا في الوقت الذي كان فيه واضحا بالنسبة لخبراء الولايات المتحدة المطلعين أن الجيش الباكستاني والاستخبارات الباكستانية كانتا وما زالتا متسامحتين مع «القاعدة» ومعاقل المجاهدين، كما أنهما تمارسان ضغوطا على الباشتون الأفغان لصالح باكستان.

بل إنها لم تضع أبدا خطة مدنية ـ عسكرية متكاملة أو جهودا عملية من خلال الفريق الأميركي الذي يعمل في أفغانستان؛ كما أنها تركت جزءا كبيرا من جهود المساعدة مخصصا لبرامج التنمية الفاشلة، وأنكرت حقيقة نجاح المتمردين إلى الحد الذي منحهم زمام المبادرة في 2009.

وقد خلق تعيين كارل إكنبيري كسفير لأفغانستان وماكريستال كقائد للولايات المتحدة ولقوات التحالف فريقا يستطيع تغيير ذلك الموقف. ونظرا لتزايد انخفاض شعبية الحرب ونجاح طالبان، فإن هذين الرجلين هما أملنا الوحيد في النصر، غير أنهما لا يستطيعان تحقيق النصر إلا إذا سمح لهما بإدارة كلا الجانبين؛ المدني والعسكري في الصراع من دون التوجيهات الدقيقة لواشنطن أو المبعوثين. فيجب أن يمنحوا الوقت لكي يتحركوا والإمدادات والسلطة التي يحتاجون إليها، ولا يوجد مسار آخر يحقق لنا أفغانستان آمنة ومستقرة وخالية من الإرهاب وسيطرة الجهاديين ومعاقل الإرهابيين سوى ذلك الطريق.

أنا لا أعرف ما الإمدادات التي سوف يطلبها إكنبيري أو ماكريستال إذا ما منحا الفرصة. فقد أشار إكنبيري إلى أن تمويل جهود العمل المدني للسفارة الأميركية لدى أفغانستان يعادل نصف الضروري؛ وبالتالي فيمكن أن يطالبوا بنحو 2.1 مليار دولار لكي يلبوا جزءا من احتياجاتهم التي تصل إلى 4.8 مليار دولار. كما أنه سوف يحتاج الأمر قطعا إلى المزيد من الخبراء المدنيين أكثر من القوات العسكرية المخطط لها (ولن يسفر ذلك عن نتائج حقيقية قبل ربيع أو صيف 2010).

ولم يعلن ماكريستال عن حاجته لمزيد من القوات الأميركية، ولكن معظم الخبراء يؤكدون وجود حاجة ماسة إلى قوات إضافية تتراوح بين 3 إلى 8 لواءات مقاتلة ـ تتراوح بين 2300 إلى 5000 فرد في كل منها ـ مع العلم أن جزءا كبيرا من تلك القوات سوف يخصص لتدريب القوات الأفغانية التي يجب أن يتضاعف عددها، لكي يصبحوا شركاء بدلا من أن يظلوا مجرد أدوات ولكي تنتقل إليهم السلطة تدريجيا من القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي.

وسوف يساعد ذلك القدر الضخم من التعزيزات الأميركية في توفير إمكانات جديدة في الأمن والحوكمة وحكم القانون والمساعدات.

وتحتاج قوات الولايات المتحدة لأن تحافظ على أمن المواطنين الأفغان وتأسيس ما يكفي من الحوكمة المحلية الآمنة والأنشطة الاقتصادية لكي تعطي للأفغان سببا يثقون من خلاله في حكومتهم وفي قوات التحالف. ويجب أن يطوروا إمكانات الحكومة على المستوى المحلي وعلى مستوى المقاطعة والمنطقة، وهو ما لن تقوم به حكومة كابول ولن تعمل على بنائه من أجلهم.

وأيا ما كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية، فهي لن تسد الثغرات الخطرة في الحكومة شديدة المركزية والفاسدة والتي تعد أداة في يد سماسرة السلطة وتجار المخدرات بالإضافة إلى الافتقار إلى الإمكانات الأساسية التي تحتاجها كل وزارة تقريبا.

ولسوء الحظ، يبدو أن العناصر المؤثرة في البيت الأبيض ووزارة الخارجية وغيرها من الهيئات عازمة على تجاهل هذه الحقائق؛ فهم يضغطون على الرئيس لكي يطالب إكنبيري وماكريستال بالحضور إلى واشنطن وطرح عدد كبير من المفاهيم الاستراتيجية بدلا من تقديم قائمة باحتياجاتهم من القوات والخبراء المدنيين والأموال ووضع خطة تكاملية مدنية عسكرية. فهم يضغطون لكي يمنعوا جهود وضع خطة تكاملية عسكرية مدنية ولتجنب منح إكنبيري وماكريستال كل السلطات التي يحتاجونها لتعزيز توحيد جهود قوات التحالف ومؤسسات المساعدات التابعة للأمم المتحدة.

فإذا نجحت تلك العناصر، سوف يصبح الرئيس أوباما قائدا لحرب فاشلة مثله مثل جورج بوش. وربما ينجح في تقليل نتائج الحرب السياسية والعسكرية والمالية لمدة عام، ولكنه في الطريق سوف يهدر فرصتنا في النصر. فكل ما سيؤدي إليه ذلك هو استبدال مجموعة من المشكلات السياسية بأخرى أسوأ ويتركنا عالقين في مشكلة إقليمية دائمة ومعقل للتطرف.

لدينا فرصة مثالية للنصر إذا ما جهزنا وأعددنا فريقنا الجديد في أفغانستان؛ وسوف نواجه هزيمة محققة إذا لم نفعل ذلك.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»