الخطاب الذي أُلغي

TT

يفصل كتاب جديد «عالم من الاضطرابات: البيت الأبيض والشرق الأوسط، من الحرب الباردة إلى الحرب على الإرهاب» حكايات نصف قرن من العلاقة المتوترة بين البيت الأبيض وقضايا الشرق الأوسط. كل حكاية أكثر إثارة من الأولى. لكن ربما كانت الأكثر أهمية قصة العشاء الذي أقامه رونالد ريغان للملك فهد العام 1985. فقد طلب الجانب السعودي، كما هو معمول به، الحصول مسبقا على نص الخطاب الرسمي الذي سيلقيه ريغان، لكن الأميركيين ماطلوا في الأمر. وفي النهاية، خلال المأدبة، اضطر الملك فهد أن يطلب من ريغان شخصيا إطلاعه على نص الخطاب. وأدرك للفور لماذا أخفي عنه، إذ كان الخطاب ينتهي بنداء من ريغان إلى الملك لأن يمد يده إلى رئيس وزراء إسرائيل شمعون بيريز. وغضب الملك فهد غضبا شديدا. وطلب من سفيره، الأمير بندر بن سلطان، أن يبلغ معاوني الرئيس بضرورة حذف كل الخطاب، إلا من المقدمة والخاتمة. واضطر ريغان إلى القبول.

يروي الكتاب أيضا يوم قال بيل كلنتون للسفير «بندر، أنت هو الشخص الوحيد القادر على إنقاذي». فقد كان كلنتون يخاف أن يهجم عليه ياسر عرفات ويمطره قبلا خلال توقيع اتفاقات أوسلو في البيت الأبيض في 13 أيلول 1993. واتصل بندر بعرفات ليبلغه بأن الملك فهد يرغب في أن تكون المناسبة إظهارا للكرامة العربية، وهذا يعني الاكتفاء بالمصافحات والامتناع عن التقبيل. واعترض الرئيس الفلسطيني، فكيف يظهر إذن محبة الشعب الفلسطيني للرئيس الأميركي الجديد؟ لكن الأمير بندر نجح أخيرا في إقناعه.

ويقدم المؤلف، باتريك تايلر، نموذجا على مدى النفوذ كان يمارسه الأمير بندر على البيت الأبيض، فيروي أنه غداة 11 أيلول 2001 كان تحليق الطيران محظورا في كل أجواء الولايات المتحدة، لكن السفير السعودي تدبر ذلك اليوم إقلاع طائرتي جامبو 747 عليهما مجموعة من السعوديين الذين رغبوا في العودة إلى بلادهم.

العام 1982، عندما أعلن البيت الأبيض استقالة وزير الخارجية ألكسندر هيغ، كان الوزير وزوجته على موعد للعشاء في السفارة السعودية ولكن هيغ اتصل بالسفير وطلب منه أن يطلب من جميع المدعوين الآخرين عدم الحضور، لأنه وزوجته، يريدان خلوة به. وما إن انتهى العشاء حتى بدأ هيغ يجهش بالبكاء بلا توقف، شاكيا من تآمر البيت الأبيض عليه. وبعد ذلك بـ19 عاما، كان جنرال آخر ووزير خارجية آخر، كولن باول، يشكو إلى بندر بن سلطان دون انقطاع، عناد جورج بوش ورفضه تحريك المسار الفلسطيني الإسرائيلي بسبب صداقته مع أرييل شارون.

يعدد تايلر الإخفاقات التي سجلها البيت الأبيض في إظهار موضوعيته في الشرق الأوسط، إلا من ذلك اليوم الذي حذر فيه دوايت إيزنهاور، أطراف العدوان الثلاثي في العام 1956، من الاستمرار في الاعتداء على مصر، وهو التحذير الذي حمل أقرب حلفاء أميركا على التراجع.