سيدنا إبراهيم هل هو حاكم الصحراء «إبشا»؟

TT

نعود إلى ما قلته في مقالي السابق عن قصة مجيء أبي الأنبياء إبراهيم الخليل إلى مصر من خلال ما ورد في التوراة. وهنا يجدر بنا البحث في القصص والأساطير الفرعونية لعلنا نصل إلى دليل واحد يشير إلى وجود سيدنا إبراهيم عليه السلام في مصر..

وكما ذكرت من قبل أن الكتب السماوية تخلو من عنصر الزمن فلا تعطي تأريخا معينا لحدث، وبالتالي تكون مهمة الباحث هي محاولة قراءة الظروف المحيطة بالحدث، سواء كان مجرد وصف للمكان أو منتجات الأرض أو حتى المناخ، وذلك في محاولة لوضع افتراضات ونظريات لا يمكن بحال من الأحوال القول بأنها حقائق طالما الدليل المادي لم يكشف بعد.

ولقد اعتاد بعض الباحثين على الربط بين منظر شهير من مصر الفرعونية بمجيء نبي الله إبراهيم عليه السلام إلى مصر. أما المنظر فهو موجود بمقبرة «خنوم حتب الثاني» حاكم إقليم المنيا، ومقبرته تعد إحدى أهم مقابر الأشراف بمنطقة بني حسن بمحافظة المنيا، ويرجع تاريخها إلى عصر الملك «سنوسرت الثاني» من الدولة الوسطى، أي ترجع إلى نحو 3900 سنة تقريبا.

والمقبرة غنية بمناظر تصور الحياة اليومية ومناظر تصور جنودا يتصارعون في مسابقات مختلفة، وقد صورت هذه الاستعراضات بطريقة حرة كنا نعتقد أنها تظهر لأول مرة إلى أن تم الكشف عن مناظر شبيهة عند الملك «ساحورع» ثاني ملوك الأسرة الخامسة من الدولة القديمة، أي منذ حوالي 4500 سنة تقريبا.

أما المنظر الذي تم ربطه بنبي الله إبراهيم، فقد صور على الجدار الشمالي للمقبرة ونرى فيه جماعة من البدو، رجالا ونساء، وقد صوروا وهم يرتدون الملابس المزركشة متعددة الألوان، ويظهر الرجال بلحى صغيرة والنساء بشعور طويلة، وتتكون الجماعة من ثمانية رجال وأربع سيدات وثلاثة أطفال يصحبون معهم حمارين وغزالا ووعلا، وعلى ظهر أحد الحمارين نجد أدوات للتعدين، ويتقدم منظر الجماعة موظف مصري يليه رئيس القبيلة وإلى جواره نص هيروغليفي يقول: «حاكم الصحراء إبشا».

وقد أمسك هو والرجل الذي يليه حيوانات الصحراء يقدمانها إلى «خنوم حتب الثاني»، ويحمل الرجال القادمون مع إبشا بعض الأسلحة، بينما حمل أحدهم قيثارة غير متناسقة الشكل، ويشاهد إلى اليمين من المنظر صاحب المقبرة «خنوم حتب الثاني» وأمامه وقف كاتب ممسكا برسالة تفيد حضور جماعة الآسيويين.

هذا هو المنظر الذي ربط بعض الباحثين بينه وبين قدوم نبي الله إبراهيم عليه السلام إلى مصر، وقد حاول بعضهم التقريب بين اسم إبشا وإبرام، والأخير هو الاسم الآرامي لسيدنا إبراهيم عليه السلام. وكما أشرت، فإن تلك المحاولة في الربط بين ما هو مصور على جدران مقبرة «خنوم حتب الثاني» وما ورد في التوراة سيظل في محل الافتراض والنظرية، وما من سبيل إلى وصوله إلى درجة الحقيقة واليقين.. فالأمر ما زال يتعلق بأبي الأنبياء!

ولا بد من التأكيد أن حكام الأقاليم منذ عصر الانتقال الأول وعصر الدولة الوسطى كانوا قد نالوا درجات كبيرة من الاستقلالية عن الحكومة المركزية وتمتعوا بسلطات واسعة جعلتهم يقومون بإرسال الحملات، بل واستقبال الوفود الأجنبية وعمل علاقات مباشرة بين أقاليمهم والبلاد الأجنبية، غالبا ما تكون قائمة على مبدأ التبادل التجاري بين الإقليم والبلد الأجنبي، خاصة حكام أقاليم مصر الوسطى، والتي كانت على اتصال مباشر عبر طرق تجارية تتصل بالبحر الأحمر وسيناء بجماعات البدو والشعوب الأجنبية..

ويبقى السؤال حائرا.. هل أبو الأنبياء هو «إبشا» حاكم الصحراء؟