حتى لو كان الثمن مئتي دولار..

TT

هل يستغرب عاقل أن ينشغل الإعلام العالمي بقضية محاكمة الصحافية السودانية لبنى حسين بسبب ارتدائها بنطالا؟! كيف لا تكون تلك القضية بكل ملابساتها مادة جاذبة للاهتمام والمتابعة على النحو الذي حظيت وتحظى به في الصحافة العربية والدولية؟!

كيف يُستغرب كل هذا الاهتمام ببلد رئيسه مطلوب للعدالة الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وببلد شهد حروبا وأزمات أودت بقرابة مليون ونصف المليون من أبنائه ومع ذلك كرّس جهد سلطته القضائية لتحاكم امرأة على ارتدائها بنطالا..

ربما كان على المحكمة السودانية أن تحفظ بعضا من ماء وجه قضاتها بإسقاط الدعوى ووقفها بدلا من الارتباك ومحاولة التراجع وراء ستار ركيك هو أن تخيّر لبنى حسين ما بين دفع 200 دولار أو السجن لمدة شهر بدلا من الجلد، وهي اختارت السجن والاستئناف ورفضت أن تدفع مبلغا زهيدا إزاء حريتها. بدت لبنى في موقفها شديدة القناعة بما تدافع عنه وهو أمر يستحق التوقف عنده.

ليس الاهتمام بقضية لبنى حسين مبالغا به ولا هو يتقدم على قضايا الأمة ومصائر شعوبها المأزومة على ما يحلو القول لكثير من الغاضبين إزاء الاهتمام بمحاكمة لبنى واعتبار القضية برمتها ملهاة لا تستأهل كل هذه الضجة.

قضية هذه المرأة هي في صلب أزماتنا، فالسلطات التي تصدر قوانين غرائبية أقل ما فيها هو الاستهانة بعقول الناس وكراماتهم ليس مؤمنة على المصائر والأقدار..

من يحاكم لبنى وآلاف من النساء السودانيات (48 ألف امرأة اعتُقلت في الخرطوم عام 2008 بسبب ملابسهن) عاجز عن حماية شعبه من الانتهاكات والاضطهاد والقتل.

الوعي الهجاسي بالمرأة وما يحيط بها كيفما تحركت وارتدت وتحدثت يجعل من سلطات كثيرة فاقدة للأهلية في إصدار أحكام وقوانين جلّ فحواها هو ضبط ما يراه أولئك شرا مستطيرا..

لا بد من تسجيل الإعجاب بهذه المرأة والثمانية والأربعين امرأة اللواتي تظاهرن في محاكمتها. أن تقرّر لبنى حسين الاستمرار في قضية كل الثمن لإقفالها هو مائتا دولار فهذا يوحي بأن هناك ما يدعو للتفاؤل وسط هذا الجو العبثي والمتشائم سواء في السودان أو في المنطقة ككل. خيار لبنى في المواجهة ليس تفصيلا فهو قرار اتخذته امرأة وحدها في مجتمع ووسط ليس متساهلا إزاء نماذج مشابهة لها. كيف لنا أن نتجاوز عدد النساء اللواتي وُقفن في عام واحد بسبب لباسهن في الخرطوم؟!

دلالات قرار لبنى باستمرار المواجهة لإسقاط قوانين مجحفة بحق السودانيات كبيرة وتكاد توازي في إيجابيتها حجم تشاؤمنا أو تكاد تطيح بدلالاتها تشاؤمنا الدائم بإمكانية تقدم منطقتنا وفتح كوة في جدار أزماتها اللامنتهية.

قرار الصحافية السودانية لبنى حسين بالاستئناف ومتابعة القضية وإن اتخذته بمفردها من الواجب على حاملي قضايا المرأة في منطقتنا لا سيما الإعلاميون الوقوف إلى جانبه بما يتعدى الكلام والدعم العابر.

diana@ asharqalawsat.com