شوارعنا: شارع الأستاذ!

TT

الأستاذ هو العقاد. وليس شارعا وإنما شوارع كثيرة وميادين. وعلى اليمين والشمال ثكنات عسكرية عليها أعلام مصرية. والشوارع واسعة ومتداخلة ومتقاطعة.. وليست طريقا واحدا ولا شارعا واحدا. ولكننا نسميها شارع الأستاذ. فنحن لا نرى إلا الأستاذ والطريق إليه واحدا مهما كان شوارع كثيرة.. وكان موعدنا مع الأستاذ في صالونه يوم الجمعة.. ويوم الجمعة تعلق الأعلام على كل المؤسسات الحكومية. وكان عندنا إحساس بأن هذه الأعلام إنما ارتفعت وتعلقت ورفرفت تحية للطلبة الذين ينشدون العلم في صالون العقاد.

ولم ير من الشارع الذي يسكنه العقاد سوى بيته. ولا نعرف من بيته إلا السلالم. فقد كان الأستاذ يسكن في الدور الثاني. وهذه هي السلالم التي كتب عنها الأستاذ. قال: صعدتها ثلاثا ثلاثا. ثم صعدتها اثنتين اثنتين. والآن أصعدها واحدة واحدة.. كنت أصعدها وبياض شعري يتوارى في سواده.. واليوم أصعدها وسواد شعري يتوارى في بياضه..

ونحن لم نشعر بعدد السلالم. إننا نجد أنفسنا أمام الباب المفتوح وندخل ونجلس في انتظار الأستاذ.. ويجيء الخادم بعصير الليمون ثم القهوة. ويظهر الأستاذ، نراه طويلا جدا يكاد يضرب السقف، ويجلس الأستاذ وهو الذي يبدأ بالكلام. ومن النادر أن يقاطعه أحد، حتى بالاستحسان. أما ملابسه فقد وضع طاقية فوق دماغه وهذه الطاقية من نوع قماش البيجاما، وهى صورة هزلية نراها في المسرحيات الكوميدية، ولكنه كان لباس الأستاذ. ويضع ساقا على ساق، ولكنّ معظم الوقت ساقيه متلاصقتان. وبيد واحدة يحركها مصاحبة لأفكاره..

وكنا نتطلع إلى الوجه المضيء والرأس الشامخ والصوت الهامس كأنه ضوء تجسد صوتا أو صوت يضيء. إنه الأستاذ.

أما كيف مضت الساعات بهذه السرعة فهذا أمر عجيب. وننهض عائدين على أقدامنا إلى بيوتنا البعيدة، ولا نريد أن نفكر في أي شيء غير الذي قاله الأستاذ؛ كيف قال كيف ضحك.. كأننا لا نريد أن نبعد عن الأستاذ فهو في آذاننا وفي عقولنا إلى موعدنا يوم الجمعة القادم!

يتبع