النورس الديمقراطي

TT

كثيرا ما سألني الناس عن لقبي ونسبي، القشطيني، لأي قبيلة أنتمي. يبدو الآن أنني أنتمي لقبيلة النوارس، الطيور البيضاء التي تعيش على شواطئ البحار والأنهار. فمن طبعها أنها تشم رائحة العواصف الجوية قبل وصولها فتهرب إلى الداخل بعيدا عن منطقة العاصفة. لاحظ زملائي كيف غادرت العراق بعد ثورة 14 تموز. قالوا إن خالد تصرف تصرف النوارس. شم رائحة العواصف التي ستجتاح العراق فنشر جناحيه وطار. وأخذ زميلي علاء يسميني بخالد النورسي بدلا من خالد القشطيني. وهذا على ما يبدو نسبي الصحيح. فهو ما فعلته في لندن أيضا. كنت أسكن في منطقة كنسنغتن. ولكنني لاحظت أن إخواننا من الشرق الأوسط أخذوا يغزون المنطقة بمشاكلهم ودولاراتهم فنشرت جناحي وطرت إلى ويمبلدن.

ولكنني لاحظت أن طيور النوارس قد غادرت بغداد معي. ففي أيام طفولتي وصباي، كنت أرى هذه الطيور الجميلة تحلق فوق نهر دجلة أمام الجسر العتيق وشريعة الكمارك. ولكنها اختفت الآن منذ أيام الثورة. والحق معها. ففي أيام الخير كنا نرمي لها على الماء بقطع الخبز لتأكل. ولكن في العهد الثوري لم يعد بيد الناس ما يكفي من الخبز ليرموه لها.

وفي هذه الأيام وكلما أرى النوارس على شواطئ برايتن وايستبورن، يخطر لي أن أسالها، هل جئت من بغداد؟ هل أنت أيضا لاجئة وعراقية مغتربة مثلي؟

وقد دعم هذا الانطباع في نفسي ما لاحظه أحد الصحافيين الإنجليز قبل أيام أن طيور النورس في كورنول كثيرا ما تهاجم الناس وتخطف ما بأيديهم من أكل. قلت هذا دليل على أنها جاءت من منطقتنا العربية. لاحظ المراسل أيضا أنها غالبا ما تهاجم موزعي الصحف الذين يوزعون الجرائد والمجلات على البيوت صباحا. تلتقط الجرائد من أيديهم بمنقارها وتمزقها. قلت لنفسي هذا برهان واضح آخر. هذه نوارس من ديرتنا. فهي لا تطيق الصحافة الحرة والجرائد تقول ما تشاء والكتاب ينشرون مقالاتهم وصورهم بدون رقابة أو خوف من الحقيقة. هذه نوارس إرهابية.

بيد أنني سرعان ما بادرت إلى تصحيح ظنوني وانطباعاتي. هذه نوارس ديمقراطية ولا يمكن أن تكون قد جاءت من منطقتنا. فهي مثلا لا تهاجم النساء. تراهن منبطحات على البلاج يأكلن السمك فلا تتعرض لهن أو تحرمهن من الأكل.

النورس يحترم حقوق المرأة. تلبس ما تشاء أو لا تلبس شيئا ولا يهجم عليها. ولا يهجم عليها حتى إذا كانت مبرقعة. وهو أمر حيرني. كيف تميز النوارس بين الرجل والمرأة؟ ففي هذه الأيام لم يعد من السهل لنا في الغرب أن نعرف من هو الذكر ومن هي الأنثى. لم نعد نثق حتى إذا كان من تحت البرقع امرأة بالفعل وليس إرهابيا متنكرا.

بيد أن النوارس تستطيع أن تعرف ذلك. مما يدل على أنها أكثر ذكاء منا وأجدر بالحكم علينا. وسأعود إلى العراق عندما تعود النوارس لبغداد.