«إخوان الأردن».. أزمة هوية وطنية لا أزمة خلافات سياسية!

TT

ينشغل الأردن، الرسمي والشعبي، في هذه الأيام بأزمة طاحنة داخل تنظيم جماعة الإخوان المسلمين على مستوى القيادة ومحطاتها التراتبية المتعددة وعلى مستوى القاعدة وهي أزمة قديمة بقيت تُعالج بالمسكنات وبتضميد الجروح، لكنها بقيت تُعسعس كالجمر تحت الرَّماد إلى أن وصل الخلاف إلى حدّ لا يمكن لفلفته فوقع الانفجار الذي وضع هذا التنظيم التاريخي القديم على مفترق طرق ولأول مرة منذ خمسينات القرن الماضي عندما انشق الشيخ تقي الدين النبهاني بكتلته وبمجموعته وشكل حزب التحرير الإسلامي المعروف والمطارد في كل الدول العربية وفي معظم الدول الإسلامية.

في آخر تطور على هذا الصعيد بادر أربعة من أعضاء المكتب التنفيذي لهذه «الجماعة» إلى تقديم استقالاتهم من هذا المكتب وهؤلاء يعتبرون أنفسهم وهم يُعتبرون في الأوساط الحزبية والسياسية الأردنية تيار الحمائم في الإخوان المسلمين مقابل تيار آخر هو تيار «الصقور» المُسيطر على كل شيء والذي يضم مجموعة على رأسها المراقب العام الدكتور همام سعيد هي المتحكمة في هذا «المكتب التنفيذي» الذي هو أعلى هيئة قيادية في هذا التنظيم والذي هو المسؤول عن إعداد تقرير سياسي هو سبب هذا الانفجار الأخير في هذه الأزمة القديمة المستفحلة لتضمنه فقرة تقول: «ما زال الأردن منخرطا على الصعيد السياسي في المشروع الأميركي ـ الصهيوني الذي يقضي بتصفية القضية الفلسطينية، وفقا للرؤية الصهيونية المفروضة على المنطقة»! لم يوافق تيار «الحمائم» على هذا التقرير وهو قد تبرأ منه وحاول إلغاء أو على الأقل إجراء تعديلات على الكثير من النقاط التي وردت فيه وبخاصة ما يستهدف منها الأردن، لكنه فشل أمام إصرار التيار الآخر أي تيار «الصقور» الذي يتزعمه المراقب العام همام سعيد والذي بالاستناد إلى دعم «حماس» غدت له السيطرة على كل المحطات القيادية في هذه «الجماعة» التي من المفترض أنها جمعية أو جماعة خيرية أردنية لا تتعاطى الأمور السياسية.

ولذلك ولأن تيار «الحمائم» هذا قد وجد نفسه وقد أصبح مجرد شاهد زور في جماعة الإخوان المسلمين فإن أربعة من ممثليه في المكتب التنفيذي هم: الدكتور إرْحيل غرايبة وأحمد الكفاوين وممدوح المحيسن وعبد الحميد القضاة وجميعهم من أصول أردنية ـ أردنية، وهذا له معناه في هذا الصراع المحتدم، قد قدّموا استقالاتهم من هذا المكتب الذي هو أعلى هيئة قيادية في هذه «الجماعة»، حيث سيكون البتّ في قبولها أو عدمه لمجلس الشورى الذي يتكون من واحدٍ وخمسين عضوا غالبيتهم بفارق ثلاثة أصوات للتيار المتشدد التابع ولاء وتنظيما لحركة «حماس» والذي من المتوقع أن يعقد اجتماعا يعتبر من أهم اجتماعاته بعد عيد الفطر المبارك.

هناك تفصيلات كثيرة وكثيرة جدا بالنسبة إلى هذا الخلاف الذي وضع هذه «الجماعة» التي غدت، بعد ضمور الأحزاب القومية والأحزاب اليسارية التي كانت ظاهرة خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، أهم حزب سياسي أردني على مفترق طرق، لكن ولأن هذه التفصيلات لا تهم بدقائقها إلا الأردنيين فإنه بالنسبة إلى المراقبين من الخارج يكفيهم أن يعرفوا أن هذه الأزمة التي نحن بصدد الحديث عنها ليست أزمة تنظيمية ولا مجرد مشكلة سياسية عارضة بين «حمائم» و«صقور»، بل هي أزمة هوية وطنية بين من يريدون أن يكون تنظيمهم أردنيا ومن يريدون أن يبقى عائما بين الهوية الأردنية والهوية الفلسطينية والهوية الإسلاموية العامة الفضفاضة، ولهذا وعلى هذا الأساس فإنها في الحقيقة مشكلة بين هؤلاء الحمائم وحركة المقاومة الإسلامية «حماس».

إلى ما قبل ظهور «حماس» في عام 1987 كان «إخوان» الضفة الغربية جزءا من «إخوان» الأردن تنظيما وقيادة وموازنة وأنشطة ومواقف سياسية وكل شيء، وذلك وإن بات هؤلاء يتمتعون بشيء من الاستقلالية، ولكن ليس إلى حد اعتبارهم «إخوان» فلسطين بعد احتلال عام 1967 وكان «إخوان» غزة يعملون بصورة مستقلة عن «إخوان» الأردن ولا تربطهم بهم أي صلة وكانت صلة هؤلاء بالمرشد العام في مصر مباشرة، مع أنه كانت لهم قيادتهم الخاصة وكان لهم مراقبهم العام، بحكم أن قطاع غزة كان يخضع للإدارة المصرية وليس له أي منفذ إلا على مصر.

بعد ظهور «حماس» التي أعلنت لاحقا أنها هي «إخوان» فلسطين وأن قيادتها هي قيادة هؤلاء «الإخوان» وأن تنظيمهم إن في غزة وإن في الضفة الغربية ودول الخليج هو تنظيمها وهكذا ولتمييع حالة «إخوان» الأردن الذين أصبحوا حائرين وما زالوا حائرين، وهذا هو سبب المأزق المتفاقم الآن، فقد تم «اختراع» شيء اسمه تنظيم «بلاد الشام» الذي لا يضم إلا الفلسطينيين والأردنيين والذي اختُرع لتغييب اسم الأردن نهائيا عن هذه الصيغة التنظيمية التي جرى اختراعها لتتلاءم مع سعي حركة «حماس» للسيطرة على التنظيمات الإخوانية في الساحات الثلاث: ساحة الضفة الغربية وساحة غزة والساحة الأردنية.

لا يضم تنظيم بلاد الشام هذا لا «إخوان» سوريا ولا «إخوان» لبنان وهو اقتصر فقط على «إخوان» غزة والضفة الغربية و«إخوان» الأردن و«الإخوان» الأردنيين والفلسطينيين في دول الخليج العربي، أي المملكة العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات ومملكة البحرين والكويت، وهذا يؤكد أن الهدف من كل هذه «اللعبة» هو تغييب اسم الأردن وابتلاعه من قِبل عنوان فضفاض وعريض هو تنظيم بلاد الشام هذا الآنف الذكر.

كان المفترض أن ينتهي التداخل التنظيمي بين «إخوان» الأردن وحركة «حماس» بمجرد إعلان هذه الأخيرة عن أنها هي تنظيم «إخوان» فلسطين وأن رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل هو المراقب لـ«الإخوان» الفلسطينيين، لكن هذا لم يحصل بل ولمزيد من إحكام سيطرتها على هذا وعلى ذاك فإنها أصرت إصرارا عجيبا على أن تُمثَّل المكاتب الإدارية في الخليج، التي هي بغالبية أعضائها مكاتب فلسطينية، تمثيلا مزدوجا أي باثني عشر عضوا في شورى «إخوان» الأردن الذي يتكون من واحد وخمسين عضوا وأيضا في شورى «حماس» الذي يتكون من هذا العدد نفسه.

وبالإضافة إلى كل هذا وللمزيد من السيطرة على الساحة الأردنية فإن «حماس» أصرت وهي لا تزال تصر على أن يتمثل «إخوان» الأردن في مجلس الشورى التابع لها بثلاثة من ضمنهم المراقب العام للإخوان المسلمين «الأردنيين» همام سعيد الذي بحكم موقعه الذي هو الموقع الأول والأعلى في تنظيم أردني يجب أن لا يكون مجرد عضو عادي في هيئة تنظيمية غير أردنية ويجب أن لا يكون خاضعا لرئاسة خالد مشعل الذي يرأس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية وكل محطاتها القيادية.

إن هذا هو أساس الأزمة الحالية التي تعصف بـ«الإخوان المسلمين» في الأردن، فالتيار الذي يسمي نفسه ويسميه الآخرون تيار «الحمائم» ومعظم رموزه من الأردنيين من غير ذوي الأصول الفلسطينية، وهذا له دلالته ومغزاه، يصر على أن يكون «ما لله لله.. وما لقيصر لقيصر»، وأن يكون هناك تنظيم إخواني أردني وتنظيم إخواني فلسطيني ما دامت حركة «حماس» أصرت على الفرز وأعلنت عن أنها هي «إخوان» فلسطين وما دامت هناك هوية وطنية فلسطينية متبلورة وهناك قرار فك ارتباط بين الضفة الغربية والضفة الشرقية جرى اتخاذه في عام 1988 بطلب من قمة الجزائر العربية وبإصرار من منظمة التحرير الفلسطينية.

وحقيقة أن كل هذا هو المقصود عندما يأخذ الأردن على حركة «حماس» أنها تتدخل في شؤونه الداخلية وعندما يُعتبر تيار الحمائم في الإخوان المسلمين ومعه غالبية أردنية مطلقة أن الإصرار على تغييب اسم الأردن من قبل «حماس» ومن قبل تيار الصقور لا يمكن أن يكون بريئا ولا يمكن إلا أن يفسَّر على أنه يأتي في إطار مؤامرة الوطن البديل التي تروج لها بعض الأوساط الإسرائيلية.