ما أغفله كارتر في الشرق الأوسط

TT

في مقال رأي نشر في «واشنطن بوست» مؤخرا تحت عنوان «رؤية الكبار للشرق الأوسط»، وصف الرئيس الأسبق، جيمي كارتر، متحدثا باسم مجموعة ممن يصفون أنفسهم بـ«الكبار»، إسرائيل بأنها متوحشة تواجه الفلسطينيين الذين طالت معاناتهم ولا يلقى عليهم باللوم، والذين يفكرون في «كفاح غير عنيف من أجل الحقوق المدنية»، حيث «تكون قدوتهم فيه المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا».

وكما هو الحال مع معظم تصريحات كارتر عن إسرائيل والفلسطينيين، بدلا من الحقائق نحصل على مقالات قصيرة من سفريات كارتر الأخيرة. وبينما يجد «شعورا متزايدا من القلق واليأس» بين الفلسطينيين «الذين يتزايد يأسهم»، لا تؤيد استطلاعات الرأي تلك النظرة. ويظهر أحدث استطلاع أجراه خبير الاستطلاعات الفلسطيني الشهير، خليل شقاقي، (في شهر أغسطس «آب»، وهو الشهر ذاته الذي كانت فيه زيارة كارتر)، «تحسنا كبيرا في التصور العام للأمن والسلامة الشخصيين والعائليين في الضفة الغربية، وانخفاضا ملحوظا في التصور العام لوجود فساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية». ولا يبدو أن ذلك يأس، وفي الحقيقة، بلغت نسبة الآراء الإيجابية بشأن السلامة الشخصية والعائلية في الضفة الغربية 25 في المائة منذ أربعة أعوام، و35 في المائة منذ عامين، و43 في المائة منذ عام، وقد ارتفعت إلى 58 في المائة في العام الماضي، كما أشار شقاقي في استطلاعه.

وتوجد طرق أخرى لقياس جودة الحياة في الضفة الغربية، فقد ذكر صندوق النقد الدولي مؤخرا أن «أحوال الاقتصاد الكلي في الضفة الغربية تحسنت» إلى درجة كبير، لأن «حدة القيود الإسرائيلية على التجارة الداخلية، ومرور الأشخاص، خفت بصورة كبيرة».

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن «استمرار تخفيف القيود قد ينتج عنه نمو حقيقي في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 7 في المائة في عام 2009 ككل»، وذلك في معدل نمو يفوق معدلنا نحن، أو معدل إسرائيل.

تتناقض البيانات مع جهود كارتر لتصوير الحياة بين الفلسطينيين على أنها غير محتملة وتتحول إلى الأسوأ، وتعد جهوده في إلقاء اللوم على إسرائيل في جميع المشكلات التي تحدث غير مقنعة كذلك، وأفضل مثال على ذلك غزة.

ويقول كارتر إن غزة «غيتو محاط بسور» وأن إسرائيل تمنع دخول أي أسمنت أو أخشاب أو بذور أو سماد أو مئات من المواد الأخرى الضرورية عبر منافذ غزة، ويمكن توفير كل سلعة ذكرها كارتر عبر مصر، وهي النقطة التي أغفلها في جهوده لإلقاء اللوم في مشكلات الفلسطينيين على الدولة الإسرائيلية بمفردها.

وكذلك يذكر كارتر أن «بعض السلع الإضافية من مصر تصل إلى غزة عبر أنفاق تحت الأرض»، وهي الجملة التي تشير إلى أن «السلع الإضافية» قد تساعد على التقليل من نقص السلع. وفي الحقيقة، تتضمن تلك السلع الإضافية الصواريخ والقذائف، التي تطلق آلاف منها على إسرائيل منذ مغادرة قواتها غزة في عام 2005. وعلى الرغم من أن كارتر يحذر من أن «صراع الحقوق المدنية» الفلسطيني يلوح في الأفق، فإنه لا يقول شيئا عن العنف الفلسطيني على أرض الواقع، حيث تستمر الجماعات الإرهابية الفلسطينية في الهجوم على إسرائيل، وحيث تقع غزة بأسرها في قبضة جماعة واحدة منها، وهي حماس.

ويزعم كارتر أن التوسع في بناء المستوطنات الإسرائيلية يلتهم الأراضي الفلسطينية «بسرعة». ولكن منذ أربعة أعوام تخلت إسرائيل عن قطاع غزة وجميع المستوطنات هناك (بالإضافة إلى أربعة مستوطنات صغيرة في الضفة الغربية). وبالإضافة إلى ذلك، لا يقدم كارتر أي بيانات تشير إلى أن مستوطنات إسرائيل في الضفة الغربية بها توسع فعلي. فسكان تلك المستوطنات في زيادة، ولكن جميع الإنشاءات تقريبا «أفقية وداخلية»، مما يعني أن التأثير على الفلسطينيين محدود، وأن الصورة التي قدمها كارتر لفلسطين التي تتلاشى سريعا غير دقيقة.

ويأتي ادعاء كارتر غير الدقيق على الإطلاق والأكثر غرابة بأن «الوقف الكامل للتوسع في بناء المستوطنات هو المفتاح» للوصول إلى اتفاق سلام، وليس وقف الإرهاب، وليس بناء مستوطنات فلسطينية، وليس فرض سيادة القانون في الضفة الغربية، وليس إنهاء حكم حماس في غزة، لا «المفتاح» الوحيد هو المستوطنات الإسرائيلية. ويتناسب مثل ذلك الاستنتاج مع منهج كارتر العام، حيث لا يوجد فلسطينيون حقيقيون، بل مجرد ضحايا لإسرائيل. وطوى النسيان قرنا من الصراع بين الفلسطينيين المعتدلين والمتطرفين، وانتصارات إرهابيين، من الحاج أمين الحسيني إلى ياسر عرفات، ولم يذكر انقلاب حماس على السلطة في غزة، ولا تظهر كلمات «حماس» و«إرهاب» في مقال كارتر. وبدلا من الدعوة إلى تأييد العمل الجاد والعملي في بناء المؤسسات الذي بدأته السلطة الفلسطينية، يتخيل كارتر «صراعا غير عنيف من أجل الحقوق المدنية» لا علاقة له بعنف الإرهاب الذي أصاب المجتمع الفلسطيني، وقتل إسرائيليين، طوال عقود.

يشوه تصوير كارتر صورة إسرائيل، وليس من قبيل المصادفة أنه يعامل الفلسطينيين على أنهم أطفال، لا يتحملون مسؤولية حقيقية في تحديد مصيرهم أو مستقبلهم. إذا كانت تلك هي «رؤية الكبار للشرق الأوسط»، فنحن وأصدقاؤنا في المنطقة محظوظون، لأن تلك المجموعة من المسؤولين الكبار لم تعد في السلطة.

* زميل في دراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية.. وعمل نائبا لمستشار الأمن القومي في إدارة جورج دابليو بوش

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»