نظرة الكبار إلى الشرق الأوسط

TT

خلال الأشهر الستة عشرة الأخيرة قمت بزيارة الشرق الأوسط أربع مرات، والتقيت قادة إسرائيل ومصر ولبنان والمملكة العربية السعودية والأردن وسورية والضفة الغربية وغزة. وكنت في دمشق عندما ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابه التاريخي في القاهرة، وهو الخطاب الذي زاد من آمالنا وسط تشاؤم الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يدركون أن إصراره على التجميد الكامل للمستوطنات هو مفتاح أي اتفاقية سلام مقبولة أو أي رد إيجابي تجاه إسرائيل من جانب الدول العربية.

كما سافرت آخر الشهر الماضي إلى المنطقة مع مجموعة من كبار السن، كان من بينهم رئيس الأساقفة ديزموند تيتو، والرئيس السابق للبرازيل فرناندو هيرنيك كاردوسو، وماري روبنسون من أيرلندا، ورئيس الوزراء السابق غرو بروندتلاند من النرويج، والناشطة في مجال حقوق المرأة إيلا بهات من الهند. وقد زار ثلاثة منا غزة من قبل، وهي المكان الذي يعتبر مجرد سجن يقبع فيه 1.6 مليون فلسطيني، منهم 1.1 مليون لاجئ من إسرائيل والضفة الغربية ويتسلمون المعونة الإنسانية الأساسية من وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة. وقد منعت إسرائيل دخول الأسمنت والأخشاب والبذور والأسمدة ومئات المواد الأخرى التي يحتاج الفلسطينيون عبر بوابات قطاع غزة. وتصل بعض البضائع الإضافية من مصر إلى غزة من خلال الأنفاق التي يتم حفرها تحت الأرض. ولا يستطيع أهل غزة إنتاج طعامهم أو إصلاح مدارسهم ومستشفياتهم ومؤسساتهم التجارية أو المنازل التي يصل عددها إلى 50000 منزل، والتي دمرت بشدة في الهجوم الإسرائيلي الأخير في شهر يناير (كانون الثاني).

وقد وجدنا شعورا متزايدا بالقلق واليأس بين أولئك الذين يراقبون ـ كما نفعل ـ سرعة بناء المستوطنات والاستمرار في التوسع في بنائها، حتى إنها تتعدى على القرى ومنحدرات التلال وأراضي الماشية والمناطق الزراعية وبساتين الزيتون الفلسطينية. وهناك أكثر من 200 مستوطنة من هذه المستوطنات في الضفة الغربية.

بل إن هناك توسعا مقلقا آخر يحدث في القدس الشرقية الفلسطينية، فمنذ ثلاثة أشهر زرت عائلة كانت تعيش على مدى أربعة أجيال في منزلهم الصغير الذي صودر في وقت قريب، وكانوا يجاهدون لكي يقوموا بهدمه بأنفسهم حتى يتجنبوا التكاليف العالية إذا قام المقاولون الإسرائيليون بتنفيذ أمر الهدم. وفي يوم 27 أغسطس (آب) أخذنا نحن كبار السن هدية من الطعام لـ18 عضوا من عائلة حانون، والذين أخلوا منزلهم الذي بني قبل 65 عاما. ويعيش أفراد هذه الأسرة وبينهم 6 أطفال في الشوارع، بينما انتقل المستوطنون الإسرائيليون إلى منزلهم المصادر.

وتقول عناوين الصحف في القدس بصورة يومية إن مناطق معينة وأنواعا معينة من البناء سوف تستثنى من تجميد المستوطنات، وفي أفضل الحالات فإن ذلك سوف يكون لمدة محدودة من الوقت. ويرى الفلسطينيون البائسون فرصة محدودة لانفراج أزمتهم، كما يضع القادة السياسيون والتجاريون والأكاديميون خطط طوارئ لتنفيذها في حالة فشل جهود الرئيس أوباما.

وقد رأينا اهتماما بنداء خافير سولانا الأمين العام لمجلس الاتحاد الأوروبي، للأمم المتحدة بتبني حل الدولتين، والذي يلقى قبولا والتزاما من قبل حكومة الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في المجموعة الرباعية (روسيا والأمم المتحدة). وقد عرض سولانا اعتراف الأمم المتحدة بحدود ما قبل 1967 بين إسرائيل وفلسطين، والتعامل مع مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وكيفية المشاركة في القدس.

وسوف تكون فلسطين عضوا كاملا في الأمم المتحدة، وسوف تتمتع بعلاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى، وسوف يكون الكثير من هذه الدول متحمسا لتبادل العلاقات معها. وقد وصف رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض خطته أحادية الجانب لكي تكون فلسطين دولة مستقلة.

والبديل الأرجح للوضع الحالي هو حل الدولة الواحدة، وهو ما يبدو هدفا للقادة الإسرائيليين الذي يصرون على احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية. ويفكر أغلب القادة الفلسطينيين الذين قابلناهم في القبول بحل الدولة الواحدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط. ومن خلال التخلي عن حلم الدولة المستقلة، فإنهم سوف يصبحون مواطنين مع جيرانهم من اليهود، ومن ثم يحق لهم المطالبة بحقوق عادلة في ظل الديمقراطية. وفي هذا الصراع غير العنيف على الحقوق المدنية فإن مثالهم سوف يكون المهاتما غاندي ومارتن لوثر كنغ ونيلسون مانديلا.

وهم يدركون الاتجاهات الديموغرافية، ويشكل غير اليهود أغلبية ضئيلة في هذه المنطقة، وبعد عدة سنوات سوف يصبح العرب أغلبية كبيرة. ومن الواضح أن حل الدولتين هو الحل الأمثل، ويؤيده أغلب السكان. وإلى جنوب القدس يعمل السكان الفلسطينيون في وادي فوقين والقرويون الإسرائيليون القريبون منهم في زور حداسة، لحماية واديهم الصغير المشترك من تلف الانهيارات الصخرية ومياه الصرف وفقدان المزيد من الأرض للمستوطنة الضخمة في أعلى التلة، حيث يقوم 26000 من المستوطنين بالتوسع في المنطقة المصادرة. وقد قرت أعيننا برؤية ذلك الانسجام الدولي الذي يواجه به القرويون التحديات التي تقف أمامهم ويستغلون به الفرص المشتركة بينهم.

وهناك نحو 25 نقطة مشابهة بين الإسرائيليين وجيرانهم الفلسطينيين، والبديل الأمثل للمستقبل هو التوصل إلى اتفاقية سلام يطبق فيها مثال وادي فوقين وزور حداسة على الحدود بين دولتين ذواتي سيادة.

*الرئيس الـ39 للولايات المتحدة.. وقد أسس مركز كارتر، وهو مؤسسة غير حكومية تنشط في مجال السلام العالمي وحل المشكلات الصحية.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»