الانتخابات الأفغانية.. بديل عن الحرب الأهلية أم سبب لها؟

TT

من الطبيعي أن يكون الأمر الذي يحمل قدرا كبيرا من الأهمية بعد انتهاء الانتخابات هو ما يفعله الفائز بفوزه، وعلى أي حال فإن الفائز يفوز بالتحكم في موارد البلاد، بالإضافة إلى حقه في تحديد الأجندة القومية. ومع ذلك فهناك ظروف يكون الأمر الأكثر أهمية فيها هو ما ينوي الخاسر فعله بخسارته.

لقد كانت هذه هي الحال التي شهدناها في إيران، في شهر يونيو (حزيران) الماضي، فبعد ساعات من انتهاء التصويت لم يكن الأكثر أهمية هو ما قاله أو فعله الرئيس محمود أحمدي نجاد وهو الفائز الرسمي بالانتخابات، ولكن الأمر الأكثر أهمية كان هو موقف الخاسر مير حسين موسوي. فقد رفض موسوي قبول الخسارة واستخدمها في الإعلان عن نفسه كفائز أخلاقي، وكانت رسالته في ذلك واضحة، فربما يكون أحمدي نجاد قد فاز بتشكيل الحكومة ولكن موسوي هو الذي كان يقود المؤيدين الحقيقيين من أغلبية الشعب الإيراني.

لقد تم اختراع الانتخابات كوسيلة لحل الصراعات السياسية دون عنف. وفي حقيقة الأمر، إن السياسات الانتخابية شكل من أشكال الحرب الأهلية، يحقق فيها المنافسون النصر من خلال صناديق الاقتراع بدلا من الرصاص. ولكي ينجح مثل هذا النظام فإنه من الأهمية بمكان أن يأخذ الفائز في اعتباره المصالح الحيوية للخاسر. ومع ذلك فإن الأكثر أهمية هو أن على الخاسر أن يعترف بهزيمته أملا في الفوز بانتخابات أخرى في المستقبل، وأن عليه الاعتراف بشرعية منصب الفائز. وتعد خبرة العراق منذ احتلاله عام 2003 مثالا رائعا على نجاح الانتخابات كبديل عن الحرب الأهلية، فقد قام الإرهابيون والعناصر المسلحة والبعثيون بكل ما يستطيعون لإشعال حرب أهلية، أو على الأقل حرب طائفية، لكنهم فشلوا. وقد كان السبب في ذلك هو أن معظم الجماعات في العراق قد أدركت أنها يمكن أن تفوز بنصيب من السلطة عن طريق الانتخابات.

وربما نشاهد الآن موقفا مشابها في لبنان، فلدى حزب الله الذي تسانده الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأسلحة التي يحتاج إليها للوصول إلى السلطة في بيروت، أو على الأقل شن حرب أهلية. ومع ذلك فإنه لا يفعل ذلك لأنه لا يزال يأمل في الفوز من خلال الانتخابات المقبلة أو من خلال التحالف مع الجماعات المارونية التي تساندها إيران، والتي يقودها الجنرال السابق ميشال عون.

ولم يكن الأهم في انتخابات لبنان الأخيرة حقيقة فوز تحالف 14آذار بمعظم المقاعد في البرلمان، ولكن كان الأهم هو حقيقة أن «المعسكر الإيراني» قد قبل الهزيمة. وفي الحالات التي لا يحدث فيها مثل ذلك القبول تصبح الانتخابات مقدمة للحرب الأهلية بدلا من أن تكون بديلا لها. وهناك أمثلة عديدة على ذلك من التاريخ، فقد وقعت الحرب الإسبانية بين عامي 1936-1939 بسبب الخلاف على الانتخابات التي لم تكن الجماعات المحافظة مستعدة بعدها لتقبل انتصار أحزاب اليسار. والأحدث من ذلك الانتخابات الجزائرية عام 1992، التي كانت سببا في وقوع ما يرقى إلى حرب أهلية على مدى عقد من الزمان، فقد أعلنت جبهة الإنقاذ الإسلامي التي فازت بالجولة الأولى من هذه الانتخابات أنها سوف تتجاهل المصالح الحيوية للخاسرين، وسوف تقوم بعمل تغييرات جوهرية تحول الجزائر إلى دولة «إسلامية»، بغض النظر عن معنى ذلك. وقد خشي الخاسرون من أنه تحت هذا النظام الذي قدمته جبهة الإنقاذ الإسلامي لن تكون لديهم فرصة على الإطلاق للفوز في المستقبل.

والأحدث من ذلك، الخلاف حول انتخابات أوكرانيا وجورجيا وقيرغستان، التي تحولت إلى «ثورات مخملية»، وهو ما يمكن أن يطلق عليه تغيير في النظام دون عنف واضح. وفي كل حالة فإن الخاسر أثار أزمة من خلال رفض الاعتراف بالهزيمة.

وفي تركيا كان رفض نتائج الانتخابات هو السبب الرئيس في ثلاثة انقلابات عسكرية قامت بها القوات المسلحة في أعوام 1960 و1971 و1980. وقد رفض الخاسر الاعتراف بهزيمته وأقنع الجيش بوضعهم في سدة الحكم ضد رغبة الشعب كما عبرت عنها الانتخابات.

لقد وصلت الديمقراطية التركية إلى النضوج في هذا القرن فقط عندما أوضح الجيش أنه لن يحاول مخالفة نتيجة الانتخابات مرة أخرى. وفي غضون أسبوع واحد، ومع إعلان النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية والمحلية، فإن أفغانستان سوف تصل إلى مفترق طرق. وتشير الدلائل إلى أن الرئيس حامد كرزاي سوف يحصل على 50 في المائة بالإضافة إلى أحد الأصوات التي يحتاج إليها للفوز بالجولة الأولى. ومن المرجح أن يحصل أقرب منافسيه وهو الدكتور عبد الله زاميرياني على 35 في المائة، بينما سيحصل رمضان بشاردوست في هذه الانتخابات التي يتنافس فيها 34 مرشحا على 10 في المائة فقط.

وحتى إذا فاز كرزاي بالانتخابات فإنه سوف يبقى في موقف ضعيف، وقد فاز بولايته الأولى بعد حصوله على نسبة تفوق 55 في المائة من مختلف أنحاء البلاد. ولكن في هذه المرة فإنه يفوز بنسبة أقل وقاعدة جغرافية أضيق، فقد أظهرت النتائج التي تم إعلانها حتى الآن أن معظم المصوتين له ينتمون إلى البشتون والأوزبك. وما يضعف موقفه كذلك حقيقة أن نسبة الاقتراع بلغت نحو 35 في المائة فقط، مقارنة بنسبة 65 في المائة في الانتخابات الأخيرة.

ويعتقد بعض المراقبين أن أفضل حل هو أن يتم عقد جولة أخرى من الانتخابات، ومن شأن ذلك أن يشجع على رفع نسبة المشاركة، لأن انتخابات أغسطس (آب) أظهرت أن «طالبان» لم تكن قادرة على مقاطعة العملية من خلال التهديد بقتل أو تشويه المرشحين والمصوتين. وفي الوقت نفسه فإن حقيقة أن الخيار سوف يكون محدودا بين مرشحين اثنين فقط، ربما تشجع المزيد من الأفراد على التصويت.

ومع ذلك فإن الجولة الثانية تفرض مشكلات عاجلة، مثل تأمين الانتخابات وإثارة انقسامات أكبر بين الطوائف العرقية. وربما تتسبب الانتخابات التي من المفترض أنها تقرب الأفغان بعضهم من بعض في التفريق بينهم، ويعتبر تجنب مثل هذه الكارثة هو المشكلة الأساسية التي تعاني منها السياسة في أفغانستان اليوم.