الأسئلة المسكوت عنها في قضية التعذيب

TT

يمكنك أن تصفه بأنه إرهابي أو انتحاري أو أي وصف آخر يحلو لك، لكن عليك أن تتفهم أنه على استعداد ـ بل تواق ـ إلى التضحية بحياته من أجل القضية التي يؤمن بها. ويمكنك كذلك أن تدعوه بالأسير، لكن مع الأخذ في الاعتبار أنه عمل طواعية مع آخرين كجزء من فريق، مثل المختطفين المتورطين في هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، الذين لقوا جميعا حتفهم. لا يعدو إسماعيل كونه شخصية تفتق عنها خيالي، لكنها شخصية ليست بعيدة عن الواقع، فأنا وأنت نعلم أنه موجود بالفعل، وأنه كان موجودا من قبل، وأنه سيظهر مجددا، وأنه العدو.

الآن يقبع إسماعيل داخل إحدى السجون الأميركية. ماذا سيحدث؟ كيف يمكننا دفعه للكشف عن خطط جماعته وأسماء أقرانه؟ حتما، الأمر صعب. في حقيقة الأمر، سيكون الأمر أكثر صعوبة عما جرت العادة. لم يعد من الممكن استخدام أسلوب الإيهام بالغرق معه، وهو يعي ذلك، ولا يمكن حرمانه من النوم سوى لعدد محدد من الساعات، ولا يمكن ضربه أو دفعه باتجاه حائط، حتى لو كان لينا، ولا يمكن تهديده بإطلاق النار عليه أو حتى ترهيبه بإمكانية صعقه بالكهرباء. أيضا من المتعذر تهديده بإلحاق أي أذى بأقاربه، بمعنى أن يتعرضوا للقتل أو الاعتداء الجنسي.

في الواقع يدرك إسماعيل جيدا القيود الجديدة على هذا الصعيد، ويدرك الحدود الجديدة التي فرضت، بل وقد يوحي للمحققين بأن وظائفهم باتت على المحك، وأن وزارة العدل تراقبهم عن كثب، وأن شريط التسجيل يعمل ويجري تسجيل كل ما يدور في أثناء التحقيق. لدى إسماعيل استعداد للتضحية بحياته، فهل لدى مستجوبيه استعداد للتخلي عن وظائفهم؟ يضحك إسماعيل.

من جهته، عيّن وزير العدل، إريك هولدر، مدعيا خاصا للنظر بشأن ما إذا كان أي من المحققين التابعين لوكالة الاستخبارات المركزية انتهكوا القانون. في الواقع، غالبا ما يكون المدعون الخصوصيون أنفسهم مثل المحققين الآخرين، فهم لا يدركون متى يتعين عليهم التوقف. إنهم يمضون قدما باستمرار لأنهم يجدون ذلك في استطاعتهم، وقد نجح أحدهم في سجن جوديث ميلر، من صحيفة «نيويورك تايمز»، لتعاني هناك من نمط هين من أنماط التعذيب. من المتعذر شعور أي محقق يعمل لدى وكالة الاستخبارات المركزية بالأمان، ذلك أن المحققين على وشك الخضوع للتحقيق معهم.

ولا يمكن لأحد أن يصدق أن أميركا أصبحت الآن أكثر أمنا بسبب القيود الجديدة على أساليب التحقيق المعززة وتعيين مدّعٍ خاص للنظر في الأمر. إن الإرهابي الواقع في الأسر الذي أثمره خيالي الخصب، على فرض أن لديه القدرة على دخول أحد مقاهي الإنترنت، يدرك أمر تعيين المدعي الخاص، ويعلم جيدا أن المحقق الذي يتعامل معه يخضع لرقابة وثيقة. من في مثل هذه الظروف سيقدم على المخاطرة؟

من ناحية أخرى، يوحي التقرير الذي وضعه المفتش العام التابع لوكالة الاستخبارات المركزية حول التحقيق الوحشي الذي تعرض له خالد شيخ محمد، العقل المدبر المزعوم لهجمات 11 سبتمبر (أيلول)، بأنه بات متعاونا فقط بعدما تعرض مرارا للإيهام بالغرق، ونجحت المعلومات التي قدمها في إنقاذ أرواح. بيد أن الكثير من الأجزاء تم حذفها من التقرير لدرجة أنه بات من غير الواضح ما إذا كان هذا هو الذي حدث بالفعل قطعا. ربما لم ينقذ هذا الأمر أي أرواح مطلقا، ربما عاني محمد من الإيهام بالغرق لأكثر من 100 مرة دون مقابل، مما يعد احتمالا مثيرا للفزع.

كما ترون، ذهني مفعم بالتساؤلات. وكما تلحظون أيضا، ليس لدي سوى قليل من الإجابات. في الحقيقة إنني ممزق بين رغبتي في التمتع بالأمن المطلق ومقتي للتعذيب، لكن الأمر الذي أعلمه على وجه اليقين أن الآيديولوجية لا توفر الحل لهذه المعضلة. من وجهة نظري، لا يجدي شيئا التأكيد على أن ديك تشيني أيد أساليب التحقيق المعززة وأنه تورط في أخطاء وأكاذيب بشأن الحرب، ولا يجدي شيئا أن تشيني وضع تعريفا لمفهوم التعذيب متطرفا للغاية لدرجة أن أي شيء أدنى، مثلا، من التعرض للتعذيب باستخدام «المخلعة» (أداة تعذيب كانت تستخدم قديما)، مسموح به في التحقيقات. إن القضية الحقيقية لا تكمن في تشيني، وإنما في القضية الرئيسية ذاتها.

إن المسائل المتعلقة بما يشكل تعذيبا وما ينبغي فعله حيال من تورطوا، ربما دون قصد، فيما نعده الآن تعذيبا، يتعين إقصاؤها عن الصعيد السياسي. ولا يجب أن يتحول الأمر إلى حرب آيديولوجية، يتخذ فيها كلا الطرفين مواقف متطرفة ومنافية للمنطق، مثل القول بأن التعذيب لا يجدي أبدا، أو أن التعذيب يجدي دوما، أو أن التعذيب منافٍ للأخلاق دوما، أو أنه أخلاقي إذا نجح في إنقاذ الأرواح. في الواقع، التعذيب يحمل وجها قبيحا دوما، بيد أن القول ذاته ينطبق على الحفرة الموجودة في الأرض التي كان يقف عليها في يوم من ذات الأيام مركز التجارة العالمي.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»