شوارعنا: شارعنا!

TT

أحب المشي. وأحب أن أتوقف عند بعض المعالم. وأجد في ذلك متعة.. الشارع الذي أسكنه الآن يبدأ بفندق شيراتون والسفارة الروسية وبيت الرئيس السادات والسفارة الفرنسية ثم السفارة السعودية وإلى جوارها سفارة إسرائيل. وتمثال نهضة مصر وحديقة الحيوان وما تبقى من شارعنا يسكن فيه الفنان الكبير صلاح طاهر وفي الشقة المواجهة له يسكن إبراهيم زكي خورشيد الذي ترجم دائرة المعارف الإسلامية.. وفى الطابق العلوي يسكن أعظم علماء الجغرافيا محمد عوض محمد الذي ترجم مسرحيات فاوست ورواية هرمن ودورتيه للشاعر الألماني جيته..

ولكن لم يحدث إلا قليلا أن توقفت عند هذه المعالم وعند هؤلاء العظماء.. وربما كنت أكثر ترددا على بيت الرئيس السادات. أما صلاح طاهر الفنان العظيم فقد توفي وانطفأ مصباح كبير في حياتي. وكان مثالا للود والحب والمرح. وتوفي إبراهيم خورشيد وكان عازفا للعود وكان مطربا أيضا..

أما أستاذنا محمد عوض محمد فقد كان رجلا صارما. وكان الناس يضيقون به لأنهم لا يفهمونه. وعندما كان وزيرا للتربية والتعليم تشاجر مع مدير مكتبه. فقد جاءه بسرعة في أول مرة ووقف منحنيا في انتظار أوامره. فالتفت إليه الوزير وقال له: لماذا أنت هنا؟ فقال: في انتظار أوامركم. فقال له الوزير: وهل عندك تعليمات بأنني أحد الآلهة؟ فقال: لم أفهم يا أفندم. فرد الوزير: إنك تقف منحنيا صامتا متجهما كأنني إله.. امش اطلع بره يا...

وجاء وفد رسمي من إحدى الدول العربية. وفوجئ بأن رئيس الوفد الذي لا يعرفه يحتضنه ويقبله. فما كان من الوزير إلا أن قال: لقد بدأنا نختلف اختلافا شديدا.. فأنا لا أحب الأحضان ولا القبلات ثم إنني لا أعرفك ويبدو أن هذا لن يكون..

ويمكنك أن تتصور كيف يمضي الحوار وكيف يشعر الوفد العربي بالإهانة والبداية السيئة..

وانسحب الوفد. ولم يحاول الوزير استرجاع الوفد!

ونحن عندما كنا طلبة اعتدنا على هذه الصرامة والخشونة أيضا. ولكن ليس كل الناس طلبة ولا عندهم استعداد لقبول عيوبه مهما كانت رتبته العلمية!