المال أزمة حزب الله الحقيقية

TT

صلاح عز الدين، رجل أعمال لبناني لم تعلن بعد رسميا رواية إفلاسه إلا أن شائعاتها هزت حزب الله أكثر مما فعلت حرب إسرائيل الماضية. مجرد رجل أعمال آخر من آلاف رجال الأعمال والمتعاملين في قطاع الاستثمار الذين سقطوا في زمن أسوأ أزمة مالية في العالم، لولا أنه يختلف عنهم بكونه «رجل أعمال حزب الله»، حيث كان يقدم خدمات استثمارية لقيادات في الحزب ومنتسبيه. وبسبب التكتم عجزنا عن معرفة كل القصة، إن كانت بالفعل تعثرا ماليا بريئا كما شاع اليوم أم أنها عملية استخباراتية، الإسرائيليون وراءها.

الاستهدافات المالية ليست جديدة، فالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عاش حياة مشابهة لحزب الله اليوم. كان يتلقى من السعوديين مبالغ طائلة في الثمانينات ينفقها سرا لكن تعقدت أموره، تحديدا بعد خروجه من بيروت في عام 82، حيث خسر أيضا قواعده المصرفية، ولم يعد سهلا عليه إيداع مئات الملايين في حسابات بنكية. من أجل إخفائها، وتنشيطها، اضطر إلى الاستعانة بأطراف بعيدة واستثمارات فاشلة، مثل الزراعة في أفريقيا التي تبخر أكثرها.

حزب الله، مثل منظمة التحرير الفلسطينية سابقا، مضطر إلى السرية، ويخلط أمواله بين الإنفاق على التعليم والتطبيب وشراء الأسلحة والعمليات السرية الخارجية. يظن أن دمجها يسهل عليه الاختفاء تحت نشاطات شرعية ومبررة، لكنه في الحقيقة جعل كل أمواله ونشاطاته تحت المراقبة والمؤامرة. ولا بد أن أمواله السرية قد اخترقت بصورة ما حتى تصاب بمثل هذه النكسة. ولنتذكر أن عداوات حزب الله تزايدت عربيا ودوليا ولم تعد محصورة في إسرائيل، وورط نفسه في معارك مع حكومات لم يكن على عداء معها أصلا. لكن أليس من سياسة الحزب توظيف قدراته الوحيدة المشهور بها، العسكرية، لصالح أطراف أخرى؟ زادت مداخيله، لكن في الوقت نفسه كبرت اللعبة عليه، وضيق على نفسه، وصارت أذرعه الاستثمارية ومحطته التلفزيونية وجمعياته الخيرية مستهدفة في سلة واحدة مع أجهزته الأمنية.

حزب الله ليس منظمة صغيرة سهل الاختفاء والحركة، كما كان أبو نضال مثلا مع بضع مئات من أتباعه، بل دولة متكاملة بما تعنيه من خدمات ونشاطات وشعب يعيش عليه لا يقل عدده عن ربع مليون إنسان. معضلة الحزب الرئيسية ليست خوض الحرب أو تجنيد الأتباع فهذه أسهل واجباته، بل أصعبها تأمين الموارد المالية. فهو مسؤول عن خبز أفراده وعائلاتهم وتطبيبهم وتعليمهم، ولا يملك مصادر مالية، غير الوقفية، أو التبرعات الدينية، والمعونة المالية الإيرانية التي تشكل الرقم الأساسي. وحتى هذه مهددة بسبب الأزمة في إيران، فالإيرانيون يتحدثون علانية عن تذمرهم من تمويل حزب الله وحماس وبقية العرب في المنطقة في وقت يعيشون هم أنفسهم في ضائقة مالية.

فضيحة إفلاس عز الدين فتحت الباب واسعا للسؤال المشروع أين هي أموال حزب الله، وكيف تنفق، ومن منح القيادات ملايين الدولارات؟ ولأن الحزب ليس شفافا سيبقى محل الشك والشائعات.

منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان وحزب الله يرفض التحول إلى مؤسسة مدنية منفتحة وإنمائية محلية. يطالب منذ عقد بنزع سلاحه لأنه لم تعد هناك أرض محتلة، والإسرائيليون مستعدون الليلة لإعادة مزارع شبعا إذا تخلى عن سلاحه. لا يريد ذلك لأنه يظن أن قيمته في سلاحه، يستخدم سلاحه من أجل النفوذ السياسي والتكسب المالي من قبل الممول الإيراني الذي يريد إبقاء لبنان ورقة مساومة لمصالحه، لكن ألا يرى الحزب تجارب دول أوروبا الشرقية التي كانت تمارس الدور نفسه حتى استهلكت وانهارت من الداخل؟

حزب الله يعيش في ثلاث دوائر صارت تضيق عليه. الدائرة الأولى العربية التي فقد فيها شعبيته منذ أن استخدم مخلبا لضرب السنة في بيروت، ثم جرب لضرب المصريين. والثانية محيطه الشيعي اللبناني الذي تسببت سياسته في دمار بيوته، ومل الإنسان الشيعي من حالة العسكرة المستمرة باسم مزارع محتلة. وآخر الدوائر التي ضاقت عليه حلقة الحزب نفسه، فهي صدمت باغتيال أكثر قياداته شعبية عماد مغنية، واليوم صدمتها شبهات فساد في روايات إفلاس عز الدين ولم يحاسب أحد، باستثناء اتهام إسرائيل بأنها وراء ما حدث، وهو أمر محتمل جدا، لكنه لن يعفي حزب الله من الإجابة عن أسئلة الناس العاديين الفقراء الذين وضعوا أموالهم وأولادهم في خدمة القيادة الغنية جدا.

[email protected]