بعد الخروج..

TT

بقدر ما كان خروج المنتخب السعودي من تصفيات كأس العالم التي ستقام في جنوب أفريقيا عام 2010 صادما، بقدر ما كان متوقعا من عدد غير بسيط من الناس. هناك خط بياني ثابت وواضح يبين أن الكرة السعودية تعاني من انحدار شديد في مستواها من الناحية النوعية والكمية، وطبعا ما ينطبق على كرة القدم تحديدا يسري على كافة القطاعات الرياضية بصورة عامة. هناك غياب واضح عن الإنجازات والبطولات، وبعد فترات من التألق والتسيد في البطولات المختلفة ظهرت نتائج بحق المنتخب السعودي من فرق كانت تهزم أمامه دوما لتظهر بجلاء أن هناك واقعا «جديدا» وليس أبلغ من ذلك سوى نتائج الفريق أمام البحرين وعمان وكوريا واليابان.

وتيرة التغيير المستمر في المدربين أفقدت المنتخب الاستقرار المطلوب (مقارنة بمنتخب ألمانيا الذي لم يعرف سوى 4 مدربين في آخر 25 سنة!) وكذلك نظام الاحتراف «المتذبذب» الذي يتعامل مع احتراف اللاعبين ويقنن الوضع الداخلي ويغفل ضرورة تحويل الأندية إلى كيانات تستطيع أن تحمل نفسها ماليا وهذا الوضع القائم حاليا لن يكتب له النجاح لأن الأندية لا تزال أسيرة التسول والاستجداء بأعضاء الشرف، وهي مسألة مؤقتة وغير مستقرة ولا تحمل علامات النجاح على المدى الطويل.

وهناك الكثير من الأمثلة الناجحة التي أسست تشريعات احترافية تؤمن عدم حصول تفاوت كبير بين الأندية في ظل سلطة مركزية ورقابة قوية مثل اتحاد الكرة الإنجليزية وبطولاته وكذلك بطولة كرة القدم الأميركية وإداراته الحازمة المتمثلة بالـ NFL. عالم الاحتراف له شروط وأسس وقواعد ويقتضي العمل الصارم بها والابتعاد عن أنصاف الحلول والمجاملات الشخصية. كرة القدم تحديدا والرياضة عموما تحولت مع مرور الوقت إلى صناعة متكاملة تستفيد منها قطاعات مختلفة وتوظف المئات من الباحثين عن العمل وتحسن مداخيل العديد من الأفراد والمؤسسات. بلد كالسعودية أكثر من 60% من سكانه هم دون العشرين عاما بحاجة لاستراتيجية دقيقة «لرعاية» الشباب تنطلق من الحواري والمدارس والجامعات والكليات وتستمر إلى ما بعد ذلك حتى تكون ثقافة كاملة «تساهم» في إعادة الشباب إلى ديار الوسطية والانتماء الوطني والاجتماعي بعد سنوات من اختطاف الكثيرين منهم إلى حظائر التطرف والإرهاب كقطيع غسلت أدمغته.

التعامل مع نتائج «الهزيمة» والخروج من كأس العالم يجب أن يكون منظورا أعم وأشمل لمعاينة شاملة وكاملة لإعادة تقويم مسار الرياضة السعودية وأهدافها واتجاهاتها وأدواتها لأن المسألة تتعدى مجرد خسارة مباراة ولكنها تتعلق بمستقبل أجيال بأكملها وهذا بحد ذاته تحد ومسؤولية وأمانة ليست بالبسيطة. الرياضة السعودية بحاجة جادة لنظرة جديدة فيها أهداف جديدة وأسلوب جديد واعتباره جزءا أساسيا من خطة التنمية وصناعة الإنسان.

[email protected]