فماذا أنت فاعل يا أوباما؟

TT

بصلف متعجرف وبتحد صارخ للمطلب الأمريكي والأوروبي والعالمي، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وقف بناء المستوطنات في أراضي الضفة الغربية المحتلة، بل وأعلن عن نيته الاستمرار في بناء أكثر من أربعمائة وخمسين وحدة سكنية في محيط القدس الشرقية، والاستمرار في النمو «الطبيعي» للمستوطنات القائمة. وعبارة النمو الطبيعي للمستوطنات «تخريجة» مفضوحة للاستمرار في بنائها، فما هو النمو غير الطبيعي في الضفة الغربية التي تحولت كالجبنة السويسرية بالجدران التي تمزقها، والمستوطنات التي تنخر في أراضيها المستباحة؟

المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط ـ السناتور جورج ميتشل ـ لا يزال يأخذ الصور التذكارية بين الحين والآخر مع القادة الإسرائيليين، ولا يزال الرجل مقلّ في تصريحاته الإعلامية. كثيرون يعتقدون أن الرجل ليس لديه ما يقوله: فالسلام المنشود يفترض قيام دولتين، ويفترض أن تقوم الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن «عَشُو بدنا نتفاوض يا زلمه» كما قال لي أحد من يفترض أن يشارك في مفاوضات الحل النهائي! لأنه لن يكون هناك ضفة غربية يمكن للمفاوض الفلسطيني أن يفاوض عليها بعدما ابتلعها الاحتلال وجثمت فوق أرضها المستوطنات. والحديث عن مفاوضات «الحل النهائي» لغز غير مفهوم، فهل هناك مفاوضات حل ابتدائي أو غير نهائي أصلا؟

المطلب التعجيزي الذي يسوقه نتانياهو هذه الأيام، هو بدء التطبيع العربي «الجزئي» معه كي يبدأ هو بوقف مؤقت ـ لاحظ مؤقت ـ للمستوطنات! والمقصد الإسرائيلي بالتطبيع الجزئي فتح السماوات العربية للطيران الإسرائيلي، وتبادل تجاري وسياحي بين إسرائيل والعرب. إذا كان هذا هو التطبيع الجزئي في نظر إسرائيل، فما هو التطبيع الكلي إذن؟

طبعا، بعد التطبيع مع نتانياهو سيعود للبناء ثانية وسوف يتغير المطلب بعد ذلك لوقف «مؤقت» آخر للمستوطنات. وسيكون المطلب حينها ليس الاعتراف بإسرائيل، ولكن الاعتراف بها كدولة «يهودية»! وبعد ذلك الاعتراف بها كدولة يهودية ديمقراطية تحفظ حقوق الإنسان وتحافظ على السلم العالمي، ومطلب باعتبار الفلسطينيين إرهابيين يحتلون أراضي تاريخية لإسرائيل، ثم مطلب آخر باعتبارها سيدة العالم المتحضر وقائدة الشرق الأوسط.. وهكذا.

الموقف العربي غائب، والقاهرة منهكة بجهود إصلاح ذات البين بين الفلسطينيين لأن الدولة الفلسطينية «الحلم» بحاجة لمن يقودها ويبنيها، والتشرذم الفلسطيني لن يبني مخيما للاجئين، ناهيك عن أن يبني دولة، ثم جاءت الحرب الإعلامية العراقية ـ السورية وسحب سفراء البلدين، لتضيف عبئا آخر على مصر في محاولة رأب الصدع «الأبدي» بين بغداد ودمشق، فانهمكت في إصلاح ما يمكن إصلاحه على هامش اجتماعات وزراء الخارجية العرب.

والموقف الفلسطيني ـ كما هو معروف ـ ممزق بين غزة ورام الله، والظلم مستمر على الشعب الفلسطيني، والمرارة تتراكم يوما بعد يوم لتقود إلى دوامة من العنف لم تتوقف من الجانب الإسرائيلي.

كثيرون صفقوا لوصول أوباما للبيت الأبيض، وأكثر تفاءلوا بخطابه بجامعة القاهرة في يونيو الماضي، ومثلهم أعجبوا بشجاعته بتكرار موقفه الداعم لحل الدولتين، بل وطلبه من إسرائيل وقف المستوطنات، لكن إسرائيل ترفض وقف البناء، ومستمرة ببناء النمو «الطبيعي» وغير الطبيعي، فماذا أنت فاعل يا أوباما؟

الإدارة الأمريكية منهمكة هذه الأيام ببرنامج الخدمات الطبية لمواطنيها، ومنصبة جهودها على إنقاذ الاقتصاد من أزمة مالية حادة قادت إلى أزمات اقتصادية وبطالة بالملايين، وقضية الشرق الأوسط غير ملحّة ما لم ير أصحابها أنها كذلك: فلا موقف فلسطينيا موحدا، ولا جهد عربيا مشتركا، ولا ضغط من المجتمع الدولي، وفوق هذا وذاك، لا يوجد رضا إسرائيلي على ضغوط أوباما إن وجدت..

باختصار: لا شيء يمكن أن يفعله السيد أوباما ضد إسرائيل ـ حاليا!