ديمقراطية الحزب الواحد

TT

إذا ما تأملت الجدال الدائر في الكونغرس الأميركي بشأن الرعاية الصحية وقضايا المناخ والطاقة فسيكون من الصعب ألا تستنتج أن هناك شيئا واحدا أسوأ من دكتاتورية الحزب الواحد، وهو ديمقراطية الحزب الواحد التي نعيشها حاليا في أميركا.

مما لا شك فيه أن دكتاتورية الحزب الواحد لها جوانبها السلبية، ولكن إذا قادتها مجموعة من الحكماء المتنورين، كما هو الحال في الصين اليوم، يصبح لها منافع عظيمة كذلك؛ حيث يستطيع هذا الحزب الواحد أن يفرض بعض السياسات ذات الصعوبة السياسية التي لها أهمية قصوى في تقدم المجتمع في القرن الحادي والعشرين، وبالتالي، فمحاولات الصين اللحاق بنا في مجال تصنيع السيارات الكهربائية، والطاقة الشمسية، وفعالية الوقود، والبطاريات، والطاقة النووية، وطاقة الرياح ليست من قبيل المصادفة. كما يدرك قادة الصين أنه في عالم من الانفجارات السكانية، ومع زيادة حجم الطبقة الوسطى في الأسواق الناشئة، فإن الطلب على استخدام الطاقة النظيفة والحرص على فعالية الوقود سوف يتزايدان، وبالتالي فإن الصين حريصة على الحصول على امتلاك تلك الصناعات، وهي تضع بالفعل السياسات التي تمكنها من فعل ذلك بما في ذلك رفع أسعار البنزين. وديمقراطية حزبنا الواحد هي الأسوأ، فالحقيقة هي أنه يوجد لاعب وحيد فقط في ما يتعلق بتشريع الطاقة والمناخ، أو في ما يتعلق بتشريع الرعاية الصحية، وهو الحزب الديمقراطي؛ حيث يقف الحزب الجمهوري ـ مع وجود عدة استثناءات ـ عاقدا ذراعيه وهو يقول: «لا»، ويرغب الكثير منهم في أن يفشل أوباما، يا له من ضياع، فالرئيس أوباما ليس عالم اجتماع، بل وسطي، ولكنه إذا اضطر إلى أن يعتمد كليا على حزبه لكي يمرر التشريع، فسوف ينهزم على يد الفصائل المتصارعة بداخله.

انظر إلى مشروع قانون المناخ/ الطاقة الذي أصدره مجلس النواب، لقد كان على رعاة ذلك المشروع أن يبذلوا جهدا ضخما لإنتاج ذلك المشروع المتقدم، لماذا؟ لأنه، ونظرا لعدم وجود نواب بالحزب الجمهوري مستعدين لتأييد فرض سعر مرتفع على الكربون الذي من المتوقع أن ينشط الاستثمار في الطاقة النظيفة وفعالية الوقود، كان على رعاة المشروع أن يعتمدوا تماما على الديمقراطيين، وهو ما يعني تقديم الرشاوى للديمقراطيين وإغراقهم بالمناصب.

يقول جو روم، صاحب مدونة «climateprogress.org»: «الصين سوف تأكلنا وتأخذ وظائفنا في مجال الطاقة النظيفة ـ وهي الصناعة التي اخترعناها ـ وسوف يقومون بعمل ذلك من خلال اقتصاد يعمل وفق خطط، وهو ما نفتقر إليه ولا نرغب فيه». فالطريقة الوحيدة التي نستطيع بها مجاراتهم؛ هي فرض تشريع لرفع أسعار الكربون، بالإضافة إلى الفعالية ووضع معايير قابلة للتجديد لتنشيط القطاع الاستثماري الخاص في التكنولوجيا النظيفة، وهو ما يصعب تحقيقه من خلال ديمقراطية الحزب الواحد. وينطبق ذلك على الرعاية الصحية، فيقول مات ميلر المسؤول المالي بقيادة كلينتون، ومؤلف كتاب «طغيان الأفكار الميتة»: «إن الآلية الأساسية التي يرغب من خلالها الرئيس أوباما توسيع نطاق التغطية التأمينية وتقليل التكلفة ستكون من خلال (بورصة) جديدة، ومقاصة تأمين جديدة، مصممة وفقا للخطة التي وضعها مت رومني عندما كان حاكما لماساشوستس؛ تقوم على السماح للأفراد بالانضمام إلى فئات تأمينية معينة في القطاع الخاص، مع توفير الدعم لذوي الدخل المنخفض».

ومن المحتمل أن يحاول الرئيس تمويل هذا الدعم، على الأقل جزئيا، من خلال الفكرة التي كان جون مكين يتبناها في حملته الانتخابية ـ تقليل الإعفاءات الضريبية، على الأشخاص الذين توفر لهم شركاتهم الرعاية الصحية، فهل يستطيع الجمهوريون أن يقولوا نعم لأفكارهم إذا ما استطاع أوباما إقناعهم؟ من دون أن يستطيع الرئيس أوباما أن يزيد عدد أصوات الجمهوريين سيكون وضع خطة واضحة تسمح بأن تصل الرعاية الصحية لجميع المواطنين الأميركيين ليس بالأمر اليسير.

لقد اعتاد الحزب الجمهوري أن يكون حزب المال والأعمال. حسنا، لكي تستطيع المنافسة والفوز في عالم معولم، فلا يحتاج أحد إلى حجة التأمين الصحي الذي تم نقله من القطاع الخاص إلى الحكومة أكثر من أصحاب الأعمال الأميركيين.

ولا يحتاج أحد إلى إصلاح قوانين الهجرة ـ حتى تستطيع أفضل عقول العالم أن تأتي إلينا من دون قيود ـ أكثر من أصحاب الأعمال الأميركيين. ولا يحتاج أحد إلى التكنولوجيا النظيفة ـ الصناعة الكبرى القادمة ـ أكثر من أصحاب الأعمال الأميركيين، ومع ذلك يقاوم الحزب الجمهوري إصلاح الرعاية الصحية القومية وقوانين الهجرة، ولنستمر في الحفر.

يقول إدوارد غولدبرغ، مستشار التجارة العالمية الذي يقوم بالتدريس في جامعة باروش: «لقد حيدت العولمة الحزب الجمهوري، فلم يعد الحزب يمثل المعدمين على أثر الركود، ولكنه يمثل معدمي أميركا المعولمة، والأشخاص الذين تم التخلي عنهم، سواء في الحقيقة أو في مخاوفهم، حيث فرضت حاجتنا للمنافسة في ذلك العالم المعولم على القيادات، والإدارة متعددة الجنسيات للشركات، وشركات التكنولوجيا التفكير فيما يمكن أن يقدمه الجمهوريون. فمبدئيا، لقد تركوا الحزب من دون تحالف براغماتي، ولكن بأفكار آيديولوجية معارضة».

* خدمة «نيويورك تايمز»