في رمضان نتذكر وجهه الذي غاب

TT

ذكرني مقال الزميل مشعل السديري أمس، «رحمك الله يا علي الطنطاوي» بشيخنا المميز، ولم أكن ناسياً، فالشيخ علي الطنطاوي رجل يسكن العقل والقلب والذاكرة، وتشرفت أثناء دراستي بكلية التربية بمكة المكرمة في نهاية عقد الستينات بأستاذيته لي على مدى عامين معلما لمادة الثقافة الإسلامية، فكان يأتي إلى قاعة المحاضرات من دون تحضير مسبق، ويطلب منّا اختيار الموضوع الذي نرغب بدراسته، وكنا نجتهد في اختيار موضوعات من مجالات متعددة، فنجد الشيخ مستعداً لطلبنا، وكأنه عرف باختياراتنا فاستعد لها مسبقاً، فهو يفهم في علوم الدين، والأدب والتاريخ والجغرافيا والإعلام والفلك والقانون وغيرها من الحقول، وببراعة المعلم البارع يوجه مختلف الموضوعات إلى غاية درسه الأساسي الثقافة الإسلامية.

وإذا كان المرء يمر أثناء مرحلته الدراسية بعدد كبير من المعلمين، فليس في خبرتي الشخصية معلم له ذلك القدر من التميز الذي كان عليه الشيخ الطنطاوي، فهو يمتلك قدرة نادرة في جذب انتباه تلاميذه، وتجلت هذه القدرة في برنامجه الذي امتد لسنوات في التلفزيون السعودي، ولا أعتقد أن ثمة برنامجاً بلغ ما بلغه برنامجه من الجماهيرية والتلقائية والتنوع. برنامج تجتمع على شاشته مختلف الشرائح الاجتماعية، ويحن إليه الجميع رغم رحيل الشيخ الطنطاوي منذ سنوات.

على مائدة الإفطار في مثل هذه الأيام من شهر رمضان ـ قبل سنوات ـ كان الشيخ علي الطنطاوي حاضرا لأعوام طويلة، حتى غدا معلماً وملمحاً من ملامح الإفطار الرمضاني، واليوم افتقده في نفس الموعد، ويفتقده مثلي الكثيرون بطلعته البهية ووجهه البشوش وتعليقاته المرحة ومواقفه المتسامحة وذكائه اللماح، وأتمنى لو أن التلفزيون السعودي، الذي يفترض أن يكون في أرشيفه مئات الحلقات المسجلة للشيخ علي الطنطاوي، يجدد ذكريات المشاهد في العشرة أيام الأخيرة من شهر رمضان ببعض تلك الحلقات التي تعالج الكثير من القضايا التي تواجهها المجتمعات المسلمة اليوم.

قبل أيام التقيت بمخرج برنامجه المتألق الصديق عبد الله رواس، ودار الحديث عن ذكرياته معه، فوصفه بالجامعة المفتوحة التي شكلت جزءاً كبيراً من ثقافة الجيل، وطبعتها بطابع التسامح والتفاؤل والاعتدال، وكان الشيخ علي الطنطاوي حقا كذلك.

نترحم عليك اليوم يا شيخنا، وكل الأيام تذكرنا بك.