أموال العراق على خطى صدام.. ولكن

TT

يقول لي من لا أشك في مصداقيتهم إنهم تلقوا مؤخرا عرضا ماليا سخيا عبر وسيط نقل لهم رغبة مسؤول عراقي كبير في تأسيس مجلة في لبنان. وتضيف مصادري أن ذلك ليس كل شيء، بل إن هناك مجموعة ليست بالقليلة من المثقفين والكتاب، من شرائح وطوائف مختلفة، في لبنان يتلقون دعما ماليا شهريا من العراق.

ولهذا الأمر، بالطبع، مدلولات خطيرة، وكبيرة، فتمويل المثقفين أو الإعلام يعني أن العراق الجديد، والذي كان يفترض فيه أن يكون دولة قانون وديموقراطية، يسير على خطى نظام صدام، في فضائح كوبونات النفط وغيرها. فكم هو غريب أن تصر الحكومة العراقية على التشدد في الرقابة على الإنترنت، والنشر، ثم نجد أن بالعراق من لا يزال يؤمن بشراء الإعلام والمثقفين.

فإذا كان صدام يمول ويدفع، ويقدم الهدايا تحت غطاء الدفاع عن القومية العربية، فتحت أي غطاء يمول ويدفع البعض في العراق؟

هل يريد، ذاك المسؤول العراقي، أو غيره، أن ينافح عن العروبة، مثلا؟ أمر لا يصدق.. فمن يريد الدفاع عن العروبة فعليه أن يحافظ على عروبة العراق أولا، ويحافظ على وحدته ومصالحه، أمام النفوذ الفارسي المتوغل في كل مفاصل بلاد الرافدين.

ويبدو أننا أمام معادلة بدأت تتضح معالمها، حيث يبدو أن تحالف البعض في العراق مع إيران يقوم على التالي: تتولى إيران توفير حماية لحلفائها في العراق أمنيا، وسياسيا، حيث إن طهران تمسك بمفاصل عدة هناك، سياسية ودينية، مقابل أن يقوم حلفاؤها العراقيون بحماية مصالح إيران في المنطقة العربية من خلال التمويل المالي، وأكثر، وهذا ما يفسر انتشار الفضائيات العربية المحسوبة على إيران وأتباعها في العالم العربي، ويفسر كذلك كثرة الصحف، ومواقع الإنترنت، والكتب، التي تخدم الأهداف الإيرانية في منطقتنا.

وللأسف فإن عملية تمويل وتسليح حلفاء إيران في المنطقة تتم بطرق عديدة ومختلفة، وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية اليمني عندما قال إن تمويل الحوثيين في اليمن يتم من خلال حوزات، وحسينيات، وأوقاف، تابعة لإيران، وهذا أمر لا يتم فقط من العراق، أو إيران، بل حتى من بعض دول الخليج العربي.

ومن يتأمل ما يقوم به حزب الله في لبنان، وخير مثال حي هو إطلاق الصواريخ من الجنوب على شمال إسرائيل، ومحاولة جر لبنان إلى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، كما يقال، يمكنه أن يتخيل ما الذي سيكون عليه حال المنطقة، وتحديدا الخليج العربي، في قادم الأيام حين تصبح لإيران سيطرة على دولة كاملة، وقادرة، ماليا وبشريا وجغرافيا، مثل العراق. فإذا كان لبنان، على صغر جغرافيته، قد سبب لنا هذه الربكة والتأزيم، فكيف بدولة بحجم العراق؟

ما نريد قوله إننا لسنا أمام من يحاول استمالة مثقفين أو إعلاميين، بقدر ما أننا أمام مؤامرة كبيرة سنكون كلنا ضحيتها في قادم الأيام، فذلك يعني أننا أمام صراعات مذهبية وسياسية، معقدة، فوق ما لدينا من أزمات اليوم.

[email protected]