يا للهول

TT

هل أنت مواطن إماراتي مقيم في دبي؟ أو لعلك وافد تعمل هناك أو سائح استهوته مراكز التسوق الكبري وجلسات الخور ومباريات الجولف وسباق الخيول. لو كنت واحدا من هؤلاء فان بلدية دبي تحرص عليك حرصك على نفسك وتدعو لك بأن يكفيك الله شر الظاهر والخفي. فقد أصدرت البلدية بيانا يفيد بأن دراسة أجريت في كوريا الجنوبية أظهرت أن أكثر الأدوات العامة التي تتربص بصحتك وتتسبب في انتقال البكتيريا هي مقابض عربات التسوق في السوبرماركت. صدق أو لا تصدق إن أكثر من مليون جرثومة توجد على قبضة عربة التسوق وتتسرب من يد كل زبون سولت له نفسه أن يشتري اللحوم والدواجن من السوبرماركت فيحملها من أماكنها إلى عربة التسوق بيده ثم يدفع العربة إلى مكان آخر باليد الملوثة بالبكتيريا الخفية. ومن ثم تنصح البلدية كل متجول في السوبرماركت بغسل يديه فور تسلم البضاعة والخروج من السوبرماركت. وإيثارا للسلامة تنصحك بألا تخرج من البيت إلا وعلبة المناديل المعقمة في جيبك أو في سيارتك للاستعمال قبل وبعد لمس عربة التسوق .

بعد أن قرأت البيان واستنادا إلي منطق يقول بأن السوبرماركت هو السوبرماركت سواء كان موقعه دبي أو باريس أو القاهرة, تسارعت دقات قلبي وتفصد العرق من جبيني وتصورت أنني مصابة بعشرات الآلاف من الفيروسات الخبيثة التي انتقلت إلى جسدي الضعيف عبر مقابض مئات العربات التي كنت أدفعها في السوبرماركت أسبوعا بعد أسبوع من دون أن افطن إلى الخطر الكامن فيها. وما أن هدأ الخوف حتى تجددت ذكرى مرات اشتد بي الجوع وأنا في السوبرماركت فاشتريت عبوة من البسكويت أو من رقائق البطاطس ودفعت ثمنها وفتحتها بيدي الملوثة وبدأت في أكلها أثناء تجوالي في المتجر.

بعد ساعة من الخوف المقيم والاضطراب المتصل قمت لأبحث عن قارورة الديتول والمناديل المعقمة ووضعت النظارة الطبية في مكانها فوق أرنبة انفي وبدأت في فحص المسطحات في مطبخ البيت بحثا عن إمارات تلوث يمكن مكافحتها .

وبعد أن فرغت وحان وقت إعداد الطعام نظرت إلى اللحم نظرة توجس خوفا من البكتيريا وما أن وضعت اللحم في القدر فوق النار حتى بدأت في غسل الأواني والمسطحات وتطهير يدي بالديتول والصابون لا مرة واحدة بل ثلاثا أو أربعا. ثم نظرت إلى الإسفنجة التي استخدمها في إزالة بقايا الطعام من الصحون قبل غسلها وتصورت أن ملايين البكتيريا تطل نحوي من مسامها وتخرج لسانها لي استفزازا وكأنها تقول: نحن هنا.. وراك وراك.

في اقل من الثانية ألقيت بها إلى سلة المهملات وفتحت جارورا بحثا عن اسفنجة أخرى نظيفة لم تستخدم بعد. وفيما تبقي من ساعات النهار غسلت كل شبر في البراد وأخرجت محتويات الجوارير لتغسل وتنظف أماكن تخزينها وحين فرغت قررت تنظيف أرضية المطبخ بماء مضاف إليه الديتول خوفا من أن يسقط شيء علي الأرض فألتقطه واستخدمه وأنا غافلة عن خطر البكتيريا الخفية.

بعد أن انتصف النهار خرجت لقضاء حاجة وركبت المترو وحاولت الاحتفاظ بتوازني بإمساك العامود المعدني المخصص لذلك، فإذا بصوت يهمس من داخلي.. كم يدا ملوثة أمسكت بهذا العامود اليوم؟ ولولا الحياء لصحت بأعلى صوت صيحة يوسف بك وهبي الشهيرة: ياللهول. ولكني اكتفيت بالدعاء همسا: اللهم احفظني من كل سوء.