الرفيق روكفلر

TT

كان يضايقني في وجه آندريه غروميكو، وزير خارجية الاتحاد السوفياتي ثم رئيس الاتحاد، معالم الانقباض والتمنع عن الابتسام. وكان ذلك يوحي لي بأنه من المتشددين ومن مهندسي الانغلاق ومن حرس النكد الدولي. وبعد تقاعده وضع الرفيق آندريه كتيبا من المذكرات والانطباعات يخبرنا فيه أن همه الأول طوال الوقت كان الانفتاح ومحاولة إقناع الرفاق الغاضبين بذلك.

واطلعنا على حكاية غير معقولة، الرفيق آندريه، وزير خارجية الكرملين: كلما كان يذهب إلى نيويورك خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت متعته الكبرى التجول في الأسواق والتفرج على الواجهات الرأسمالية والتبضع من عند «ميسيز»، مسكين، الرفيق آندريه، كان يخجل على الأرجح من الذهاب إلى «ساكس فيفث افنيو».

لقد كان الزعماء السوفيات يكذبون على شعوبهم كل يوم، وانتهوا بأن راحوا يكذبون على أنفسهم كل يوم. لكثرة ما دفنوا من الحقائق تحولت إلى مدفن للاتحاد. كانوا يحولون الفشل إلى نجاح، والموسم السيئ إلى حصاد، والعذاب والقهر والقلة والجوع والذل إلى جنة أرضية. ولو تواضعوا وصدقوا وصارحوا أهلهم وأبناءهم وتفهموا شكاواهم وأصغوا إلى آلامهم، لما انهار الاتحاد. لكنهم لم يعرضوا على الناس سوى الكذب. والبشر عقل. على الأقل النخبة منهم.

خطر لي سؤال ساذج، أو مبالغ في السذاجة، أنا الذي لم أفهم يوما الرفيق المنظر سوسلوف ولا كتابات الأيديولوجيين العرب ولا شواربهم الستالينية ولا تلك المصطلحات المجدولة بالعقد مثل حبال الموانئ، خطر لي أن أطرح سؤالا غبيا. فطوال عملي الصحفي اليومي كنت أقرأ عن وسيطين بين أميركا وموسكو: الأول، كان ارمان هامر، رئيس شركة «أوكسيدنتال» النفطية، وأحد أغنى أغنياء أميركا، والثاني ديفيد روكفلر، أشهر رمز للرأسمالية التي يريد عزيزنا لينين دفنها في مزابل التاريخ.

كلما قرأت الآن في مذكرات الرفاق، كيف كانوا يستقبلون هامر وروكفلر أو يتبضعون من عند «ميسيز»، أتساءل، هل ضحكوا في نهاية المطاف علينا أم على أنفسهم؟ بقليل من الصدق والإنسانية والحرية، كان يمكن أن يبقوا هناك.