جورجيا مقابل إيران؟

TT

على غرار «النفط مقابل الغذاء» تعقد إسرائيل اليوم صفقة مع روسيا عنوانها «جورجيا مقابل إيران». فرغم الروايات المختلفة عن سفينة روسية محملة بالسلاح متجهة إلى سوريا أو إيران والتي يقال إن رجال الموساد اختطفوها في عرض البحر، ولهذا السبب اختفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو الأسبوع الفائت وذهب سرا إلى روسيا لمناقشة هذا الأمر، إلا أن الصفقة الرئيسية بين روسيا وإسرائيل لها بعد استراتيجي أكبر من مجرد شحنة الأسلحة المهربة، زيارة نتنياهو السرية تعرض على الروس صفقة أكبر تصب في إيقاف برنامج إيران النووي مقابل الاستقرار في جورجيا، وأن آخر صيغة توصلت إليها إسرائيل مع الروس هي «جورجيا مقابل إيران». إذن بغض النظر هل سافر نتنياهو إلى موسكو أو لم يسافر تظل الصفقة كما هي «جورجيا مقابل إيران»، بغض النظر هل ذهب نتنياهو إلى موسكو أم لا في ساعات الاختفاء. معروف أن روسيا تزود إيران بالصواريخ، وأن روسيا هي شريان الحياة بالنسبة للبرنامج النووي الإيراني، فهي التي كانت ستزوده بالوقود المتعاقد عليه فيما يخص مفاعل بوشهر على الأقل، وأن هناك دولا كثيرة وليست إسرائيل وحدها دخلت في صفقات ربما ليست ذات أي مغزى بغرض رشوة روسيا حتى تمتنع من توريد الوقود النووي والتكنولوجيا الروسية إلى إيران، هذا الوقود وهذه التكنولوجيا هي التي تجعل من إيران قوة نووية خلال أعوام قليلة. ولكن ما دور إسرائيل في جورجيا كي تستطيع أن تعقد مع الروس صفقة من هذا النوع؟

كشفت الحرب الجورجية على أوسيتيا الجنوبية الكثير من الأسرار في علاقة جورجيا مع إسرائيل، خاصة على الصعيد العسكري. فقد بات معروفا أن إسرائيل قد زودت جورجيا بخبراء عسكريين إسرائيليين كانوا فاعلين في تدريب وتجهيز القوات الجورجية للهجوم على أوسيتيا الجنوبية، كما أن جورجيا قد عقدت صفقة دبابات كبيرة مع إسرائيل تصنع خصيصا لهذه الحرب، وأن ترسل إسرائيل إلى جورجيا مجموعة من الخبراء والمزيد من التكنولوجيا الإسرائيلية لتأكيد التفوق الجورجي على روسيا. تباطأت إسرائيل في تسليم الدبابات لاستخدامها كورقة تفاوض مع الروس، لكي تتفاوض مع موسكو في إطار صفقة عنوانها «جورجيا مقابل إيران»، أو أوسيتيا الجنوبية مقابل البرنامج النووي الإيراني.

حسب ما تسرب من أخبار، فإن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين لم يقابل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو في الزيارة السرية الأخيرة لأن هناك انقساما روسيا حول سياسة روسيا تجاه كل من إيران وسوريا، والتي تحاول إسرائيل ودول أخرى في المنطقة تغييرها في اتجاه حصار إيران مقابل تخلي إسرائيل عن بيع الأسلحة للجورجيين. إسرائيل، كذلك وعدت روسيا حسب التسريبات المتاحة بأن لا يشارك اليهود الروس أو الجورجيون في الجيش الجورجي مما يضعف من قوة هذا الجيش ويقلل من تفوقه العسكري النوعي. هذه هي الصفقة التبادلية بين موسكو وتل أبيب «تتوقفوا عن دعم إيران نوويا وتقنيا، ونتوقف نحن عن دعم جورجيا وتسليح جيشها في حربها ضدكم»، كانت رسالة نتنياهو للبيت الأبيض الروسي. وهناك تقارير تقول بأن الروس قد قبلوا الصفقة. ومن هنا تكون إيران هي ضحية التقارب الروسي الإسرائيلي.

التاريخ الروسي في تعامله مع موضوع الموازنة بين العالم الإسلامي وإسرائيل حتى في الحروب التي كان العرب فيها حلفاء لروسيا، يؤكد على أن روسيا كانت دائما أقرب إلى إسرائيل منها إلى العرب، وظني أنه في حالة وجود خيار بين إيران وإسرائيل فإن روسيا ستختار إسرائيل، بلا شك. هذه هي اللعبة الجديدة في جيوبوليتكا الملف النووي الإيراني، إسرائيل ومعها بعض الدول الأوروبية وأمريكا وحلف الناتو، تحاول تخويف روسيا من الخطر الجورجي وتبتزها من خلال دعم الجيش الجورجي، وهناك من يبتزها من خلال الدرع الصاروخية التي كان من المقرر نصب جزء كبير منها في بولندا ودولة التشيك. وهناك من الدول من يحاول شراء الخردة العسكرية الروسية ببلايين الدولارات، صفقة ظاهرها شراء أسلحة، وباطنها هو رشوة روسيا لمنعها من التعامل مع طهران نوويا.

ليس هناك داع لتوضيح مدى قلق المسؤولين الإسرائيليين من البرنامج النووي الإيراني بعد أن وصفه رئيس وزراء إسرائيل السابق إيهود أولمرت بأنه تهديد لوجود إسرائيل نفسها، وهو ذات الوصف الذي يتبناه رئيس الوزراء الحالي بنجامين نتنياهو. هناك أيضا الكثيرون في إسرائيل ومنهم نتنياهو ووزير خارجيته أفيجدور ليبرمان، ذو الجذور الروسية، ممن يتبنون خيار القوة تجاه إيران، وفاتحوا إدارتي بوش وأوباما وبوتن في هذا الأمر. فقبل أن يصبح نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل كان قد اقترح على الأمريكيين أن تبحث إسرائيل مهاجمة إيران في مهمة على غرار الضربة الجوية التي وجهتها عام 1981 ضد المفاعل النووي العراقي. لذا أرسلت الولايات المتحدة في بداية إدارة أوباما كلا من وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس وكذلك مستشار الأمن القومي جيم جونز، ورئيس الاستخبارات الأمريكية ليون بناتا، من أجل إقناع حكومة نتنياهو بالعدول عن تبني خيار الضربة الجوية.

في هذا السياق تحاول إسرائيل لعب أوراق جيوسياسية تهدف إلى محاصرة العلاقات الروسية الإيرانية من أجل توقيف المفاعلات النووية الإيرانية من المصدر، أي وقف الدعم الفني الروسي لإيران من خلال ابتزاز روسيا بقضية أوسيتيا الجنوبية والحرب الجائرة بين موسكو وتبليسي.

فهل ذهب نتنياهو إلى موسكو أم لم يذهب لم يعد هو السؤال. السؤال اليوم هو إلى أي حد ستتعامل موسكو مع المغريات والتهديدات المقدمة تجاهها من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي وبعض دول منطقة الشرق الأوسط، وكذلك مع التهديد الإسرائيلي بدعم الجيش الجورجي وتسليحه. ظني أن روسيا لن تتردد مقابل الإغراءات والتهديدات في أن تضحي بإيران من أجل علاقات طيبة مع الغرب ومن أجل بيع الأسلحة لدول الشرق الأوسط، وكذلك من أجل وقف الدعم الإسرائيلي لجورجيا التي تمثل اليوم خطرا حقيقيا على روسيا وعلى بوتين وميدفيديف ونظامهما.

زيارة نتنياهو إلى موسكو تأتي ضمن سلسلة من الزيارات الاستراتيجية التي قام بها كل من الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز والتي التقى فيها كلا من الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف ورئيس الوزراء بوتن، وكذلك زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حيث طالب في زيارته الأخيرة إلى موسكو، طالب روسيا بالعمل مع بلاده لمنع إيران من حيازة السلاح النووي، مؤكدا في خطاب له في موسكو أن «سباق التسلح النووي ليس من مصلحة الولايات المتحدة أو روسيا أو السلام العالمي برمته».

إذن نحن أمام رسائل واضحة إلى كل من روسيا وطهران، رسائل تحمل الترغيب والترهيب في ذات الوقت، ولكن رسالة إسرائيل لروسيا كانت رسالة مقايضة وابتزاز «إذا ألغيتم دعمكم لإيران، ستلغي إسرائيل دعمها لجورجيا»، أي إن الصفقة هي ببساطة «جورجيا مقابل إيران»، هذه هي اللعبة الجديدة في الشرق الأوسط والشرق الأدنى اليوم.

رغم كل هذه التحركات الدبلوماسية الهادفة إلى حصار إيران، إلا أن الاتجاه العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي لا يخلو من توجيه ضربة لإيران، وخصوصا مفاعلاتها النووية. المنطقة الشرق أوسطية إذن على موعد مع: إما رضوخ روسيا، وبالتالي إضعاف طهران، أو أن تتخذ إسرائيل موقفا متشنجا وتقرر أن تضرب إيران بمفردها. لكن اليوم نحن أمام صفقة جديدة، صفقة سياسية عنوانها الرئيسي «جورجيا مقابل إيران». وتلك كانت رسالة نتنياهو ومن قبله بيريز ومن بعده أوباما.