انقلاب داخل الاستخبارات الإيرانية

TT

الوضع السياسي في إيران ما زال غير واضح في أعقاب الانتخابات العنيفة، التي عقدت في يونيو (حزيران). ولكن يمكن أن نجد مفاتيح بعض الأشياء في عملية التطهير الأخيرة، التي تمت داخل جهاز الاستخبارات الإيراني.

وتشير حالة الاضطراب إلى أن الرئيس محمود أحمدي نجاد، يدفع الأوضاع من أجل إحكام سيطرته على النظام الحاكم، حتى لو كانت الكلفة هي عزل بعض الزملاء المحافظين، من ذوي النفوذ. ولكن يبقى القول الفصل لدى المرشد الأعلى لإيران، أية الله علي خامنئي، الذي تعرضت شرعيته لضربة، ويواجه صعوبات في محاولة السيطرة على أحمدي نجاد، ولكنه ما زال رقم 1.

وقد تم إقالة وزير الاستخبارات، وهو رجل دين شديد يدعى غلام حسين محسني إجئي، ويكنيه بعض الإيرانيين بـ«الأفعى» في نهاية يوليو (تموز). وأقيل أيضا أربعة وكلاء بارزين في الوزارة، في إطار ما شبهها محلل أميركي بأنها عملية تطهير ستالينية. وفي هذه العملية، ساعد أحمدي نجاد على ظهور أعداء خطيرين محتملين.

ويقول مارك فولر، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية، ويدير حاليا «بيت فارس» للاستشارات لصالح «بووز ألن فاميلتون»، إن الانقلاب داخل الكيان الاستخباراتي أظهر أن أحمدي نجاد يتحرك للسيطرة على الحكومة. ويقول عن ضباط الاستخبارات المطاح بهم: «هؤلاء ليسوا متابعين، ولكنهم كانوا فتيانا أشداء، ولديهم زملاء في مختلف أنحاء النظام. ويمكنه أن يتسببوا في بعض المشكلات لأحمدي نجاد».

ووزير الاستخبارات الجديد هو حيدر مصلحي، وهو رجل دين له علاقات قوية بأحمدي نجاد، وقوات الحرس الثوري. وقد دفع بعض المحللين إلى القول بأن أحمدي نجاد والحرس الثوري يستأنفون في انقلاب داخلي بدأ بعملية التلاعب في انتخابات الثاني عشر من يونيو (حزيران)، والإجراءات الصارمة اللاحقة ضد المحتجين الإيرانيين.

ومما يدعم فكرة حدوث «انقلاب داخلي» هي الشقاق الدائم منذ فترة طويلة بين وزارة الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري، الذي يتبعه جهاز استخبارات خاص. وتنظر الوزارة إلى نفسها على أنها كيان مهم، فيما يريد أحمدي نجاد والحرس الثوري أن يظهروا للنخبويين أنهم ليسوا بالأهمية التي يعتقدون.

ولكن، كما هو الحال في إيران فإن هذا الموضوع يتسم بقدر أكبر من التعقيد، حيث إن التحرك في أحد الاتجاهات يقابله تغييرات في الاتجاه الآخر. فلم يكد يتم الإطاحة بمحسني إجئي، في وزارة الاستخبارات حتى عاد يظهر في منصب المدعي العام بعد أن عينه في هذه المنصب رئيس القضاة الجديد، أية الله صادق لاريجاني، الذي ينظر إليه على أنه حليف لخامنئي كما أنه أخو علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني.

وخلال اتصالات خاصة أجريت مؤخرا مع الغرب، أكد بعض الساسة الإيرانيين البارزين على فكرة أن أحمدي نجاد يسعى إلى تعزيز سلطته، ولكنه يواجه معارضة متنامية من داخل النخبة الحاكمة. ولا يزال خامنئي اللاعب المهم، حسب ما قاله الساسة الإيرانيون. مع أن خامنئي يميل بصورة عامة تجاه أحمدي نجاد، فقد رفض بعض قراراته مثل محاولته لتعيين أقرب مستشار شخصي له اسفنديار مشائي نائب أول له.

وتظهر هذه الأمور الصعوبة التي تحيط بصياغة سياسية أميركية إزاء إيران قابلة للتطبيق في أعقاب الانتخابات الرئاسية. وقد تحولت الإدارة بالفعل من المنحى الذي كانت تتبعه قبل الهجمات من التواصل النشط إلى موقف سلبي بدرجة أكبر، وإيران هي المنوط بها اتخاذ الخطوات المقبلة. ويقول مسؤول بارز في الإدارة الأميركية: «نبقي الباب مفتوحا، ومتروك لهم المرور عبره».

وقال سياسي إيراني لوسيط غربي، إن إدارة أوباما دون حكمة شجعت على اغتصاب السلطة داخل النظام عن طريق إرسال خطابين إلى خامنئي قبل انتخابات يونيو (حزيران). وتم تسليم الخطاب الأول عبر بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، وكان عبارة عن دعوة عامة للحوار. ويقال إن خامنئي أمضى شهرا قبل أن يجيب على الخطاب، وبعد ذلك جاءت الإجابة في صياغة مبهمة. وأكد خطاب إدارة أوباما الثاني على المصلحة الأميركية في التواصل. وحسب ما قاله السياسي الإيراني، فإن ذلك ربما شجع خامنئي وأحمدي نجاد، على التفكير في أن لهما حرية مطلقة خلال الثاني عشر من يونيو (حزيران).

وقال سياسي إيراني بارز آخر، قريب من خامنئي، لوسيط غربي مؤخرا، إنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد تغيير العلاقات فإن عليها أن تتعامل مع خامنئي مباشرة دون المرور عبر حكومة أحمدي نجاد. ولا يزال ذلك لغزا محيرا أمام فريق أوباما.

ويرى السياسي الثاني أن تحليل إيران هو أن أميركا أمامها ثلاثة خيارات للتعامل مع إيران، إما التواصل أو الاحتواء أو الهجوم. ويضيف: «الاعتقاد داخل طهران هو أن أميركا لم تحسم رأيها فيما تريد». وربما يكون هذا هو التقييم الحق. والإدارة تقترب من لحظة اتخاذ القرار في هذه القضية، كما هو الحال مع قضايا أخرى كثيرة.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»