القرار الصعب المهم

TT

مفترق طرق كبير يواجه المسؤولين عن التعليم في العالم العربي في الأيام القليلة القادمة، والمسألة تتعلق تحديدا بأخذ قرار قطعي ونهائي في مسألة البدء في الموسم الدراسي لمئات الآلاف من الطلبة والطالبات وسط استمرار التبليغ عن حالات متزايدة من الإصابة بمرض إنفلونزا الخنازير، وأيضا العدد المتزايد من حالات الوفاة المبلغة نتاج هذا المرض. هناك خوف كبير من عدم قدرة القطاع الطبي على التعامل مع أعداد كبيرة في حالة الانتشار الواسع للمرض بين صفوف الطلبة، نظرا لعدم توافر الأمكنة والأدوية في بعض الحالات للتعامل مع الإصابات في حالة حدوثها.

هناك فريق يرى أننا مقبلون على مرحلة «مجهولة» المعالم ومجال المخاطرة فيها مرتفع للغاية وأسلوب الحذر هو المطلوب، وبالتالي لا مانع (بل من الأفضل) أن يتم تأجيل بدء الموسم الدراسي لفترة من الوقت لتحسين القدرة الاستعدادية لقطاعي التعليم والصحة ويكون وقتها أيضا تم حسم موضوع وصول لقاح المصل الخاص بالمرض، ومن ثم جدولة التطعيم لأكبر عدد ممكن بصورة منظمة ومقننة. ولن يضير الطلبة تأخير الموسم الدراسي فترة شهر أو شهرين، على أن يتم تعويض فترة التأخير هذه خلال فترة الصيف، لأن مواعيد بدء ونهاية المواسم الدراسية ليست بالمواعيد المقدسة أو الثابتة، وأن الأهم هو مراعاة الصالح العام وتحقيقه. بينما يرى فريق آخر ضرورة البقاء على نفس المواعيد المقررة سلفا لبداية العام التعليمي، لأن في ذلك الأمر تكريسا للعامل النفسي والابتعاد عن عناصر القلق والتخويف والذعر، وتكريس الاستقرار والطمأنينة والأمان في عقول العامة، لأن المرض هو إنفلونزا يمكن بقليل من المسائل البديهية التعاطي معها بحكمة وعقل ولا داعي لكل هذه الحملة المكثفة الموتورة التي تشحن الناس بلا أي داع.

إن ما يحدث الآن هو نموذج بسيط للقدرة على إدارة الأزمات في الأجهزة الحكومية بالعالم العربي، وهناك تفاوت واضح بين أداء دولة وأخرى في هذه الأزمة، فبينما اعتمدت بعض الدول عنصر المكاشفة والشفافية، آثرت دول أخرى العمل بصمت وهدوء، ولكن هذا فتح الباب للتساؤلات والإشاعات والقيل والقال. واقعيا حتى القطاعات الرسمية في حيرة من أمرها، وليست متأكدة تماما من قدرتها على التعامل مع الأزمة، وحذرة جدا في اتخاذ أي قرار «كبير»، فهي ترى أن تقسيط القرار «الكبير» بالتدريج يزيل الحرج عنها والعبء المعنوي على كاهلها. والقرار المنتظر سيكون مقدمة مهمة لمعرفة أيضا كيف ستتعامل الدول مع تحد كبير قادم عما قريب وهو موسم الحج، والذي سيتطلب هو الآخر تجهيزات كبيرة تخص هذا المرض تحديدا. وزارات الصحة العربية في وضع متأزم فيما يخص تعاملاتها مع هذا المرض، فهي غير قادرة على توفير تواريخ محددة لوصول المصل إليها، ولا الإعلان بالتالي عن البرنامج الوطني المنتظر للتطعيم العام وبالتالي إعلام المدارس والجامعات عما يمكن عمله في الفترة القادمة. تأجيل المدارس يمنح القائمين على القطاعين الصحي والتعليمي فرصة لالتقاط الأنفاس وإبعاد كابوس الإصابة الجماعية الكبرى عنها لفترة مؤقتة ولكنها مهمة، ولكن قرارا كهذا يجب أن تراعى فيه جدولة مقننة جديدة لبداية ونهاية الموسم الدراسي في حالة تأجيله نظرا لوجود العديد من القضايا العامة والشخصية المرتبطة بقرار التأجيل، هذا في حال حصوله. الكويت ومصر دولتان قررتا التأجيل المؤقت للموسم الدراسي، وهناك دول أخرى تسير في هذا الاتجاه وستعلن عن ذلك عما قريب. هناك أسر وطلبة بالآلاف في انتظار حسم الجدل الحاصل عن مواعيد الدراسة وأيضا عن برنامج التطعيم المنتظر، وقليل من الوضوح والمكاشفة سيحسم الجدل هذا كله.

[email protected]