في لندن معركة ذات العنصريات

TT

«أوقفوا الإسلام في أوروبا» شعار خطير رفعته أمام أحد مساجد لندن الكبيرة الجمعة الماضية جماعة بريطانية عنصرية متعصبة تسمي نفسها «أوقفوا أسلمة أوروبا»، وذلك بمناسبة الذكرى الثامنة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبأسلوب ماكر، فهذه الجماعة لا تقول إنها ضد المسلمين البريطانيين، ولكنها في شعاراتها التي يصرخ بها أعضاؤها تردد «المسلمون يفجرون شوارعنا»، وعلى الرغم من محدودية انتشار هذه الجماعات العنصرية، فإن المهتمين بشأن الجاليات الإسلامية يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا على مستقبل استقرار هذه الجاليات في أوروبا وذلك بسبب تنامي النزعة العنصرية يوما بعد يوم وازدياد مساحة انتشارها مما يجعل التهوين منها أو التقليل من خطرها قد يؤدي إلى نتائج كارثية.

وفي تصوري أن خطر هذه الجماعات العنصرية لا يكمن في عددها في الوقت الحاضر، ولكن في خطورة تكتيكها، فهي تدرك أن الرأي العام الأوروبي ضدها وضد أطروحاتها كما هو ضد أي تمييز عنصري، ولهذا فقد عمدت في شعاراتها ومظاهراتها ولافتاتها وخطبها ومقاطع الفيديو التي تبثها في الـ«يوتيوب» و«تويتر» و«فيس بوك» إلى استخدام لغة استفزازية تهدف بالدرجة الأولى إلى استثارة المتحمسين من شباب الجالية الإسلامية في بريطانيا ليقوموا بردة فعل عنيفة مضادة، والإعلام الغربي في أشد الجاهزية لتسليط الضوء على ردود أفعال المسلمين السلبية وتضخيمها، ومثل هذه الردود العنيفة من شأنها أن توسع رقعة تأييد هذه الجماعات العنصرية بين فئات المجتمع الأوروبي العادية.

وللأسف فهذا ما جرى أمام مسجد هارو شمال العاصمة البريطانية الجمعة الماضية، فبعد أن تجمهرت جماعة «أوقفوا أسلمة أوروبا» رافعين شعاراتهم العنصرية، تجمهر في المقابل عدد مماثل من الشبان البريطانيين المسلمين المتحمسين، وهذا التجمهر أو التجمهر المضاد تسمح به القوانين، ولكن المشكلة حين يفلت زمام الأمور عن السيطرة فيصبح تقارب مثل هاتين الفئتين المتناقضتين كأنه تقريب للزيت من النار، وحين تتعالى الأصوات والسباب والشتائم وتتوتر الأجواء يصبح كل شيء ممكنا، ولهذا عمد بعض الشباب المسلمين في تصرف أرعن مؤسف إلى رشق الشرطة البريطانية بالحجارة، وهذا بالضبط ما تريده هذه الجماعة العنصرية البريطانية المتطرفة.

الأمر الخطير الآخر الذي سيوسع من رقعة تأثير وتأييد هذه الجماعة العنصرية البريطانية أنهم وجدوا أنفسهم في تقاطعات مصالح مشتركة مع كل من اليمين البريطاني المتطرف ومشجعي كرة القدم المشاغبين (الهوليغانز)، بل تحدثت بعض المصادر عن وجود اتصالات وتنسيق بين هؤلاء الموتورين المتوترين، وعلى الرغم من أن الحزب القومي البريطاني يزعم أنه ينأى بنفسه عن هذه العصابة المتعصبة كما يقول موقع الـBBC، فإن جماعات مناهضة العنصرية أظهروا صورا لشخصيات في الحزب شاركت في مظاهرات العصابة، ولكم أن تتخيلوا لو أن هذا التلاقح العنصري قد نجح كيف سيكون تأثيره على الأرض البريطانية وعلى الجالية الإسلامية التي تربو على المليوني نسمة؟

وبكل شفافية وأسف نقول إن بعض تصرفات عدد محدود من الجالية الإسلامية وعدد محدود أيضا من مراكزها الإسلامية تمثل الوقود المغذي للجماعات العنصرية المعادية للإسلام والمسلمين في بريطانيا وكل أوروبا، ولا يزال وضع الجالية الإسلامية إلى الآن متأثرا سلبا بالتصريحات النارية الاستفزازية لأبي قتادة وأبي حمزة وعمر بكري، وكذلك المتعاطفون مع فكر القاعدة الذين قادوا تفجيرات الأنفاق الأرضية في لندن وهجوم مطار غلاسكو ممن استمتع بوهج الإعلام البريطاني وتغطياته، غير مدركين (أو مدركين! الله أعلم) التأثيرات السلبية التي تركتها تصريحاتهم وتصرفاتهم على الساحة الإسلامية في أوروبا كلها.