إلى أوباما: اقرأ كينان!

TT

خرجت أميركا بعد الحرب العالمية الثانية (والأولى) بأكبر الانتصارات العسكرية في تاريخ العالم. وكافأت قائد قواتها في أوروبا بانتخابه رئيساً مرتين. وجلست إلى جانب السوفيات وبريطانيا ترسم خريطة جديدة للعالم. وفيما غرقت أوروبا، بجزأيها، المنتصر والمغلوب، في الجوع والفقر والدمار، كانت هي ترفل في الغنى والثروات والمجد الصناعي والتقدم العلمي. ونشرت قواعدها العسكرية في أنحاء الأرض كما بسطت نفوذها السياسي في كل مكان. وفيما انغلقت الكتلة الشرقية على نفسها خلف «ستار حديدي» غير مرئي، غزت أميركا الأسواق الرأسمالية بالسيارات والطائرات والكتب وأفلام هوليوود.

ما بعد الحرب، كان عصر أميركا في العالم. كان في إمكانها أن تعاقب أعداءها الذين حاربوها في البر واليابسة حول الأرض. وأن تشدد العقاب على اليابان التي ذهبت تضربها في عقر دارها، في بيرل هاربور، وهي ترتاح في قيلولة عميقة. وهذا ما فكر به رجال كثيرون من أهل الحكم. لكن عاقلا من رجال الدبلوماسية والفكر، يدعى جورج كينان، قال لصقور أميركا: ماذا تفعلون؟ كيف سوف تعيشون إلى جانب أوروبا فقيرة وجائعة؟ لماذا نذل الألمان أكثر مما لحق بهم في الهزيمة؟ وإذا عادينا السوفيات فهذا يعني أننا أعداء شرق قوي وحلفاء غرب ضعيف ومهزوم. دعونا نساعد أوروبا الغربية لكي لا تنمو فيها الشيوعية وينمو فيها الحقد وروح الانتقام. فليكن حلفاؤنا في رخاء شبيه برخائنا.

أطلق جورج كينان، الذي سيصبح أوسع عقل دبلوماسي في أميركا، شعار «الاحتواء» بدل المواجهة. ومنه جاءت فكرة مساعدة أوروبا و«مشروع مارشال».

أحاط جورج بوش نفسه بعقول مريضة، مثل ريتشارد بيرل وبول وولفويتز ودونالد رامسفلد. سحبوه إلى حرب لا مبرر لها في العراق. وجددوا مهمة القتل في أفغانستان. وأثاروا في وجه أميركا الحقد والكره والرغبة في الانتقام. وأعاقوا مسيرة الحل في فلسطين والانسحاب في الجولان، وفي خواء سياسي لا مثيل له انتقى جورج بوش آرييل شارون صديقا من دون جميع الناس.

باراك أوباما ليس في حاجة إلى تصعيد الحرب في أفغانستان. ولا في باكستان. ولا الحرب غير المباشرة في العراق. إنه في حاجة إلى جورج كينان معاصر. إلى «خطة مارشال» يبني بموجبها ما هدمته الطائرات الأميركية وفظاظة ديك تشيني وهولوكوتية جورج بوش. لن ينقذ أميركا سوى عقل أميركي يدرك أن الكون قد تغير، وأن مدافع البوارج لم تعد تحل شيئا، وأن القصف الجوي لا يفيد إلا بإثارة الغبار.