على قبر نابليون

TT

لا أدري لماذا ذهبت ثانية في زيارتي الأخيرة للحبيبة باريس، لزيارة قبر نابليون في الانفليد. لقد كنت قد أديت واجب هذه الزيارة في أيام التلمذة وكفى. لماذا قصدته الآن؟

وقفت فوقه وسرح بي الفكر. لماذا يا بونابرت تركتنا؟ لماذا تركت الشرق؟ انهض وعبئ سفنك وقُد جيشك ثانية إلينا ونظف أرضنا من كل هذا العث والبق والجرثوم، من كل هذه الخرافات والجهالات والفساد. ما أحوجنا إلى مثلك محررا ومصلحا ومجددا! قُم يا نابليون وخلّص بلادنا وبلادك وكل هذا العالم من الأنانية والفساد!

الوقوف على قبر نابليون يثير دائما الخواطر، ولها حكاياتها وطرائفها ومواعظها. كان ممن زار قبر الإمبراطور، أدولف هتلر عند سقوط باريس بيد الألمان. وقف أمامه وهتف: انظر يا نابليون. «يقف أمامك الرجل الذي حقق ما عجزت أنت عن تحقيقه: السيطرة على كل أوروبا». قال ذلك ثم سمع همسا من القبر: «قل لي! هل استوليت على إنجلترا؟»

- «لا، لم يتم ذلك بعد».

- «تعال إذن وارقد بجانبي!».

خرج هتلر عازما على أن يحقق ما عجز عنه نابليون، عبور بحر المانش. فقصد أحد كبار مستحضري الأرواح في باريس، والمعروف أن هتلر كان مؤمنا بمثل هذه الخرافات، وطلب منه أن يستحضر روح النبي موسى ليسأله كيف شق البحر وعبر. أجابه شبح موسى عليه السلام: «ضربت البحر بعصاي السحرية فانشق وعبرت». قال: «وأين أجد هذه العصا؟»، قال: «تجدها في المتحف البريطاني».

بيد أن من أروع الوقائع التاريخية المرتبطة بقبر نابليون كان ما جرى للملكة فكتوريا عند زيارتها الرسمية لباريس. سألوها عما تود مشاهدته في العاصمة الفرنسية، قالت: «أرغب في زيارة قبر الإمبراطور نابليون». وكانت الحكومة الفرنسية قد أنجزت توا تشييد الضريح المهيب الذي نجده اليوم، فأحبت أن تراه. أوقع ذلك وزارة الخارجية الفرنسية في محنة؛ فالفرنسيون كانوا لا يزالون يلعقون جراح هزيمة الإمبراطور علي أيدي الإنجليز في معركة واترلو الشهيرة، ولا يزالون يتألمون من المعاملة السيئة والذليلة التي تلقاها بطلهم العظيم على أيدي الإنجليز. اعتبروا زيارة ملكة إنجلترا لقبره نوعا من التشفي والتحدي، ولا سيما في عهد سليلة الإمبراطور نابليون الثالث. حاولوا التملص والاعتذار عن هذا الطلب ولكن الملكة أصرت على طلبها، فأذعنوا ورتبوا لها الزيارة الرسمية. وجاء ذلك في يوم تلبدت فيه باريس بالغيوم والأمطار.

وقفت أمام الضريح مع ابنها الأصغر الأمير إدوارد فرأته مشدوها مرتبكا فقالت له: «انحنِ يا ولدي للإمبراطور العظيم». فانحنى أمير ويسكس بخشوع لضريح نابليون، عدوهم اللدود. ما إن فعل ذلك حتى توهج المبنى بنور شديد خاطف، إذ اهتزت سماء باريس ببرق ورعد لم تشهد مثله من قبل.