اختلاس إفطار 100 ألف صائم!

TT

ليس سهلا أن يتقبل العقل اتهام إمام مسجد باختلاس تبرعات إفطار الصائمين، لذا وجدت عينيَّ تبلغان أقصى اتساعهما، وأنا اقرأ على مدى يومين ماضيين ما نشرته صحيفة «المدينة» عن إمام مسجد قيل إنه اختلس أكثر من مليون ريال من تبرعات «إفطار صائم»، وتلك معلومة صادمة بالنسبة لي، ولكل من قرأها أو سمعها، ويصعب تقبلها لولا أن الصحيفة توثق لخبرها بتعليق لمدير جمعية البر بجدة، ومحامي إحدى الضحايا، وحديث لرجل أعمال، ونحو ذلك، وتشير الصحيفة إلى أن هيئة التحقيق والادعاء العام بمحافظة جدة أحالت للمحكمة الكبرى إمام المسجد المختلس لتبرعات (إفطار صائم) وتحويلها لحسابه بعد أن قام بتزوير كتيب التبرعات النظامية لجمعية البر، التي يعمل مندوبا بها، وأنه جمع تبرعات تزيد عن مليون ريال أودعها في حسابه الخاص في الأسبوع الاول من شهر رمضان، ومن بين ضحاياه سيدة أعمال أودعت مبلغ 700 ألف ريال لحساب التبرعات، كما ألمحت «المدينة» إلى أن الإمام المتهم ناشط في مجال العمل «الخيري»، وأنه اعتاد أن يجمع مبالغ مالية لدعم الأطفال اللقطاء، وإعمار المساجد، وإفطار الصائمين، فإذا كان إفطار الصائم في اليوم الواحد يكلف نحو 10 ريالات، وكان المبلغ الذي اختلسه الإمام ـ بحسب الصحيفة ـ يزيد عن مليون ريال، فإن أي حسبة بسيطة تشير إلى أن الرجل ـ لو صح الاتهام ـ قد «لهف» قيمة إفطار أكثر من 100 ألف صائم!

وحتى لو ثبت الاتهام فإن مثل ذلك الإمام لا يمثل سوى نفسه، ولا يسيء لغير ذاته، فصورة الأئمة كوعاظ، ومرشدين، وثقات ستظل لها نفس القيمة والأهمية والإكبار، وليس من المتعذر أن يندس وسط الجموع الخيرة شخص أو أكثر له مثل تلك الخلائق المتباينة مع منظومة السمات الجليلة التي يتسم بها أئمة المساجد.

ورغم التحذيرات بضرورة تحري الدقة عند التبرع في العمل الخيري، إلا أن جلنا للأسف لديه القابلية لأن تخدعه المظاهر، فينفق من دون تثبت وتيقن من مصير ما تبرع به، وهذا يتطلب المزيد من حملات التوعية للمواطنين، يتم فيها تحديد القنوات الأكثر ضمانا لدعم الجمعيات الخيرية، وعدم التورط في أحابيل النصابين، والمحتالين، والمختلسين، لكي يحافظ العمل الخيري على تدفقاته ونقائه واستمراريته، وعلى الجانب الآخر ثمة مسؤولية ينبغي أن تضطلع بها الجمعيات الخيرية تتمثل في ضرورة تطبيق المزيد من معايير التقييم في اختيار العاملين، لكيلا يندس وسط الجموع الخيرة من يستغل نزعة الناس إلى الإحسان للكسب غير المشروع، فيستحل لنفسه مبالغ كان ينبغي أن تواسي أيتاماً وأرامل وعجزة، وحسبنا الله.

[email protected]