سورية والبعثيون وخلافات الرئاسات العراقية

TT

ما من شك في وجود جدل حول صلاحيات رئاسة الجمهورية، ووصفها بالبروتوكولية، إلا أن الهيئة التي تمتلك حق نقض قرارات البرلمان ليست شرفية. وأي عضو منها (رئيس الجمهورية ونائباه) له الحق في ممارسة النقض. كما أن الدستور العراقي أعطى حقا لهذه الرئاسة، أو هكذا فسر، وكذلك الاتفاقات التوافقية، بالمشاركة في صياغة السياسة العليا للدولة، ولولا التوافق السياسي لما أمكن لأي طرف تشكيل الحكومة. فتشكيل الرئاسة يتطلب ثلثي أعضاء البرلمان، وهذا رقم (يستحيل) تحققه في عراق اليوم من دون توافق سياسي، ورئيس الجمهورية هو الذي يكلف شخصا بتشكيل الوزارة التي عليها أن تحصل على النصف، ولا أحد يمكن أن يحصل على هذه النسبة إلا بتوافق. وإذا بقيت القواعد على ما هي عليه، فلا ولادة للحكومة القادمة من دون تدخل غربي.

مع ذلك، وعلى الرغم من الثغرات ونقاط الإبهام في الدستور، فإن من إيجابياته تضمنه نقاط قوة تمنع التفرد (المطلق) بالحكم من طرف ما. ومع أن العملية التوافقية كانت عنصر تأخير في اتخاذ القرارات، فإنها تفرض واقعيتها للحد من الغلو الفردي وغلو أصحاب الأفكار الطائفية والعرقية.

وتأكيدا على مبدأ الشراكة في الحكم، جرى تشكيل مجلس سياسي للأمن الوطني يرأسه رئيس الجمهورية ويضم في عضويته كبار مسؤولي الدولة وممثلين عن الكتل السياسية، للنظر في المصالح الاستراتيجية العليا للدولة، وبالفعل اجتمع عشرات المرات واتخذ قرارات.

وقبل الخوض في بعض التفصيلات لا بد من التأكيد على أن من أولى مسلمات النظام الجديد المفترضة أن يكون مسؤولوه قد نهلوا من الثقافة الغربية في قبول النقد والانتقادات، بالمستوى نفسه القائم في معاقل الديمقراطية الغربية، التي لولاها ما وصلوا إلى الحكم، لا سيما أن الكثير ممن يضطلعون بالمسؤولية الآن لم يكن لهم نشاط معارض بالطريقة العلنية حتى ممن كانوا خارج العراق.

وبعد سبع سنوات مريرة حصلت أزمة عراقية سورية هزت الوضع الداخلي برمته، فبرغم تصويت مجلس الوزراء بالإجماع على قرار التعامل مع سورية، على هامش اتهامها، بتفجيرات الأربعاء الدامي، اعترض عليه مجلس الرئاسة وعارضته كتل سياسية من داخل العملية السياسية وخارجها، وفشلت السلطات في تبني موقف موحد، لأن مجلس الوزراء جزء من السلطات وليس كلها. ووقف عموم البعثيين في العراق وكثير من العراقيين إلى جانب سورية، ولهذا الخلاف أسبابه ومعطياته، منها فشل حكومات ما بعد التغيير في توجيه اتهام علني إلى إيران برغم تدخلاتها التخريبية السافرة، ونُذكّر بحديث نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» المنشور يوم 8 سبتمبر (أيلول) الجاري (نحن قلقون جدا من نية إيران في العراق، ونحن والعراقيون كنا ضحايا لأسلحة وأموال زودتها إيران).

وأثارت سرعة الكشف عن الجهة المسؤولة عن تفجيرات الأربعاء تساؤلات كثيرة، تتراوح بين التشكيك والبحث عن أسباب عدم الكشف عن الجهات المنظمة (جدا)، التي قامت قبل أكثر من ثلاث سنوات باختطاف أكثر من 100 شخص في آن واحد، من مبنى تابع لوزارة التعليم العالي، وكلهم من شريحة واحدة. ولا أثر لهم حتى الآن. ثم اختطاف رئاسة اللجنة الأولمبية بنفس الطريقة والغرض، وكذلك عملية الهجوم المنظم على مسكن الفريق عامر الهاشمي أول رئيس أركان للجيش الجديد وتصفيته. وكان المنفذون في كل الحالات بتجهيزات نظامية متميزة ويستقلون سيارات مشابهة لسيارات كبار المسؤولين..، ولا يمكن تأليف هكذا فرق عمليات من دون تدريب وإعداد وتجهيز، وهي في النتيجة فرق مرتبطة بفيلق القدس نشرت القتل في بغداد.

لذلك، ليس من الحق الاعتراض على مطلب تشكيل محكمة (دولية) للنظر في ما تعرض له العراقيون من إرهاب منذ 2004، لأن أحدا لم يسمع ولم يقرأ شيئا عن نتيجة تحقيق واحدة عن هذه العمليات غير العادية، ولا عن عمليات القتل والتهجير الجماعي التي تعرض لها ضباط الجيش السابق وعموم البعثيين، وأحياء عديدة من بغداد، بهدف إفراغها من أهلها وفق مخطط محدد. حتى أصبح عدد المشردين الحالي خارج العراق نحو (2 ـ 3) ملايين شخص، نصفهم في سورية.

الشيء الأكيد، عندما تكون هناك محكمة دولية، سيتقدم الآلاف بشكاواهم ضد النشاطات المرتبطة بإيران، وستكون أكبر وأطول محاكم التاريخ. ومن الضروري أن تكون كل المحاكم المرتبطة بقضايا ليست فردية ذات صفة دولية، لأن استقلالية القضاء تتعرض لانتهاكات خطيرة من جهات التفرقة الحزبية والطائفية، فضلا عن تحريض فيلق القدس.

وليس أمام الرئاسات الأربع إلا العمل كفريق واحد، وتفعيل المجلس السياسي للأمن الوطني، لإعادة تصويب الأمور. فالعراق أكبر من مجموع كل الأحزاب الحاكمة، ولن (يهنأ) بحكمه إلا فريق موحد (بعدله).