عام على الأزمة

TT

قد يكون يوم الاثنين 15 سبتمبر 2008 الذي يوافق اليوم، ليس هو البداية الحقيقية للأزمة المالية التي تطورت إلى صدمة وركود اقتصادي شديد، فالعاصفة كانت تجمع قواها قبل ذلك بشهور, وكانت الأسواق في حالة توتر شديد، لكن لم يتصور أحد أن الحكومة الأميركية يمكن أن تترك «ليمان براذرز»، وهو من كبرى مؤسسات وول ستريت، لمصيره لينهار بموجب قانون الإفلاس، لتفتح تساؤلات استمرت حتى اليوم حول ما إذا كان القرار الذي أحدث موجات من الصدمات انتشرت في كل أسواق العالم بجعل هذا المصرف هو الضحية الوحيدة التي لم يجرِ إنقاذها صحيحا أم خطأ.

عام مر على الأزمة أو العاصفة الاقتصادية التي أصبحت التحدي رقم واحد على الأجندة السياسية والاقتصادية دوليا ومحليا بكل تداعياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكان يوم انهيار «ليمان براذرز» بمثابة الإعلان الرسمي عن بدايتها، ليدخل العالم في أعقابها في خطط لإنقاذ وحقن للاقتصاديات بأرقام فلكية غير مسبوقة تتجاوز تكلفة الدخول في حرب.

وهناك الكثير الذي قيل ونفذ على صعيد الاستفادة مما حدث، والذي أرجع في جانب منه إلى ممارسات مضاربات خطرة لهذه المؤسسات المالية، ونوع من الثقافة التي سادت الأسواق المالية والمتعاملين فيها والتي تهون من المخاطر، وهناك الكثير من النقاش الفني الذي يدور حول كبح هذه المخاطرات وإعادة تنظيم الأسواق ووضع الضوابط لعدم تكرار مثل هذه الأحداث.

لكن هناك الجانب الآخر السياسي الذي يحتاج إلى متابعة ورصد لتداعيات الأزمة على صعيد العلاقات الدولية وتوازنات القوى في العالم، خصوصا بروز الصين بشكل أسرع من المتوقع كلاعب اقتصادي وسياسي بحجم قوة عظمى، والشد والجذب بين الدول المتشابكة المصالح، وفي نفس الوقت لديها تضاربات في هذه المصالح.

هناك الجانب السلبي للأزمة على صعيد العلاقات الدولية في جوانب أبرزها تراجع التجارة الدولية بما يقدر بنسبة 10%، وازدياد اتجاه الدول نحو الإجراءات الحمائية مثلما نرى الآن بين الولايات المتحدة والصين في فرض رسوم جمارك على بعض منتجات الطرف الآخر، وهناك التداعيات الاجتماعية لانكماش الاقتصاديات وخسران الناس وظائفهم وعدم القدرة على توليد وظائف جديدة بما يخلقه ذلك من تحديات وتوترات سياسية للحكومات، خصوصا في الدول النامية والفقيرة، التي وجدت نفسها فجأة، ولأسباب ليس لها علاقة بها، تواجه شحا في التمويل والاستثمارات.

لكن هناك أيضا جوانب إيجابية, وهي ازدياد الاقتناع بالاعتماد المتبادل بين العالم، فخطط الإنقاذ وتحفيز الاقتصاديات نوقشت ونفذت في إطار وبتنسيق عالمي قادته مجموعة العشرين، وهو ما فتح الكلام بشكل أقوى عن إعادة تشكيل المؤسسات المالية الدولية بما يعطي صوتا أقوى للاعبين جدد فيها بخلاف اللاعبين التقليديين. كما كان واضحا أن قوى ودولا تعتبر متنافسة بعضها مع بعض وجدت أنها في بعض الأحيان من مصلحتها تعافي منافسيها حتى لا يغرق القارب بالجميع، مثل الصين والولايات المتحدة، فالأولى صاحبة أكبر سيولة في العالم الآن، وهي أكبر مقرض للاقتصاد الأميركي من خلال استماراتها، خصوصا في أذونات الخزانة الأميركية.

وإذا كان هذا التعاون الدولي من خلال خطط التحفيز الجماعية المنسقة قد أثمر في تفادي السقوط في كساد أعظم من الثلاثينات، مع ظهور مؤشرات حسب أرقام أخيرة لعودة النمو في بعض البلدان الصناعية، فإن هذا التنسيق سيكون أهم عندما يثبت عودة الانتعاش، لأن فاتورة التريليونات التي أنفقت من قبل الحكومات ستحتاج إلى من يسددها مستقبلا، تفاديا لأزمة أشد.