بعد ثماني سنوات.. لم ننتقم بعد

TT

تحين هذا الأسبوع الذكرى الثامنة لفراري من مكتبي واندفاعي باتجاه «لور مانهاتن». في ذلك اليوم، اصطدمت طائرتان بمركز التجارة العالمي ـ وشاهدت الحدث على شاشات التلفزيون ـ وقفزت باتجاه مترو الأنفاق، الذي كان يعمل في ذلك الوقت، مما أثار دهشتي. وبعدما لم يعد في إمكاني الابتعاد لمسافة أبعد، قطعت باقي الطريق على سطح الأرض. فجأة سمعت صوت فرقعة ـ كان صوتا هائلا يضم زئير الرعد وحدة البرق ـ سمعت صوت شخص إلى جواري يقول: «إنها طائرات متزاحمة»، لكن السماء كانت خالية من فوقي وأدركت حينها أن برجي مركز التجارة انهارا. وقلت لنفسي وقتها: «سننتقم منكم أيها الأوغاد»، لكنني كنت خاطئا، ذلك أننا لم ننتقم.

مر على هذا الحادث ثماني سنوات وفترتي رئاسة عاينا خلالهما السياسات الأخلاقية لبوش وبداية النهج البرجماتي لأوباما، ورغم ذلك لا يزال الرجل الذي أصدر أوامره بقتل الأميركيين في «لور مانهاتن» ومبنى البنتاغون وداخل الطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا طليقا. وتحول الأمر إلى مزحة في البرامج التلفزيونية التي تعرض في وقت متأخر من الليل.

لا بد وأن بن لادن نفسه يضحك ساخرا من هذا الموقف، وبالتأكيد فعل ذلك في شريط مسجل عندما شرح لأقرانه كيف تم تحطيم برجي مركز التجارة العالمي وقتل الكفار. عندئذ، صدرت منه ضحكة خافتة، وكذلك الآخرين في الحجرة. لكنني كنت بالقرب من موقع مركز التجارة العالمي ذلك اليوم أقوم بجمع قصاصات من الورق وفتات أرواح مشغولة تماما بالأمور الدنيوية ـ مثل مشروع قانون مصاريف المدارس الخاصة ـ وتملكتني الرغبة حينها، مثلما الحال الآن، في الانتقام مما حدث. وتنامت بداخلي الرغبة في رؤية رأس أسامة بن لادن معلقة.

وقد ساورني شعور بالدهشة إزاء تركز اهتمامي على فكرة الانتقام، حتى في ذلك الحين، ذلك أنني بطبعي لست من الشخصيات التي تميل إلى الانتقام. ولا يبدو الانتقام فكرة ملائمة لعمود صحافي، أو لكاتب عمود صحافي. وعندما نتحدث عن أفغانستان، وما إذا كان ينبغي أن نبقى أو نرحل، وما إذا كان ينبغي الإبقاء على البطاقات التي بحوزتنا الآن أم السعي لكسب أخرى جديدة، فإننا بذلك نتناول كافة الجوانب «الميترنيخية» (نسبة إلى الأمير كليمنس فينزل ميترنيخ) للقضية ـ لكننا لا نتناول أمرا رئيسا وجوهريا مثل الانتقام. يحمل لفظ «الانتقام» شهوة بدائية نحو سفك الدماء، أمر يثير الاشمئزاز حقا. بيد أنه في الوقت ذاته تحمل فكرة الانتقام إبداء اهتمام واحترام ملائم للموتى. إن الذين لقوا حتفهم في 11 سبتمبر (أيلول) 2001 لا يمكن تجاهلهم ببساطة ومحوهم من تفكيرنا ـ كما لو أنهم لم يلقوا مصرعهم في خضم جريمة هائلة. والملاحظ أنه ليس بن لادن وحده الذي لا يزال حرا طليقا فحسب، وإنما كذلك أعضاء حركة «طالبان» الذين وفروا له الملاذ وظل معهم بعد 11 سبتمبر (أيلول). إن الأمر غير معقد، ذلك أن الفكرة الرئيسية تدور حول ضرورة أن يدفع قتلة الأميركيين ثمن فعلتهم. وتعد هذه سياسة خارجية جيدة. لقد راودني التفكير بأمر القتلى أيضا عندما أطلق الاسكتلنديون سراح عبد الباسط علي المقرحي، وهو الشخص الذي تم تحميله مسؤولية نسف طائرة «بان أميركان» الرحلة رقم 103 فوق لوكيربي. قطعا، كانت الأنظار كلها موجهة إلى الآباء والأمهات الثكالى الذين فقدوا أطفالهم ممن كانوا في طريق عودتهم من إجازة قضوها في أوروبا.

عند النظر إلى أفغانستان، نجد أن هناك أسبابا جيدة تدعو للاستمرار هناك، لكن هناك أخرى تدعو للرحيل. ليس من السهل قط تسوية هذه القضايا. وسيكون من الصعب أن ندير ظهورنا إلى العناصر الأفغانية التقدمية والنساء وجميع الفتيات اللائي لن ينالوا قط حظا من التعليم. والمؤكد أن أفغانستان في ظل حكم «طالبان» ستنضم إلى القضية التي يعتنقها المتطرفون في باكستان، من مدنيين وعسكريين. عندئذ، ستتفاقم المخاطر بالنظر إلى الأسلحة النووية الموجودة لدى باكستان، بل وداخل الهند سريعة الغضب. إن الرحيل عن أفغانستان مخيف بقدر البقاء فيها.

لكن إذا رحلنا عن أفغانستان، علينا الاعتراف حينها بأننا نقضنا عهودنا ليس فقط أمام الأفغان الذين ساندونا ـ الذين ستنتقم منهم «طالبان» حتما ـ وإنما كذلك أمام قتلى 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»