خلوك مسحراتي.. قال: خلّص رمضان

TT

«قالوا له: خلوك مسحراتي، قال: خلّص رمضان» مثل شعبي يردده العرب من الماء إلى الماء بزيادة مفردة هنا أو إضافة مفردة هناك، تعددت المفردات والمعنى واحد، ويضرب المثل عند فوات الأوان للقيام بعمل ما في الوقت المناسب، واليوم بعد أن احترف الناس السهر، وكسر المسحراتي طبلته ونام منذ عدة أعوام، أصبحنا نطالع في الصحف بعض الأخبار الطريفة عن «مسحراتية آخر زمن»، ففي تركيا أزعج المسحراتي بطبلته اليومية التي تنطلق في جوف الليل أحد السكان، فأطلق النار على المسحراتي، وأصابه في أحد ذراعيه بعد أن رفض المسحراتي تحذيرات الرجل السابقة، وفي أميركا ـ كما ذكر تقرير «الشرق الأوسط» بالأمس ـ تلاحق المسحراتي «النيويوركي» شكاوى الإزعاج في شوارع نيويورك أينما حل، حتى انحصر مشواره الليلي في مساحة ضيقة من «كوني آيلاند أفينيو» التي يزورها بصوت منخفض مرة كل ثلاثة أيام، وهناك يعيش الكثير من الباكستانيين.

آخر مسحراتي في مدينة جدة كان اسمه «يحيى»، وكان يجوب بطبله الصغير حارات جدة العتيقة، وقد رفع عقيرته منشدا: «فلان بن فلان مساك الله بالرضا والنعيم» فتهطل عليه الرواشن نقودا وحلوى، لكن صوت المسحراتي اختفي بعد ذلك في ضجيج المدينة، ووجد نفسه العم «يحيى» على مقاعد المتفرجين لإيقاع الزمن، ومتغيرات الحياة.

التقيت به ذات ليلة رمضانية يقتعد دكّة حجرية في أحد أحياء جدة القديمة، فسألته:

ـ من خطف الإنشاد من حنجرة المسحراتي؟!

فأطرق قليلا، ثم قال:

ـ خصومي ثلاثة: التلفزيون، والساعات المنبه، وأولاد هذا الزمان، فهم جن ليل، لا ينامون، ولا يدعون غيرهم يخلد إلى النوم، فمن يوقظ المسحراتي إذا كان ليل الناس أصبح نهاراً!

ويقال إن جذور المسحراتي تمتد إلى عصر الدولة العباسية، وكان أحد ولاة مصر يتولى المهمة بنفسه، ويوقظ الناس لتناول السحور، ثم ظهر أشخاص مختصون بهذه المهمة، يقومون بها كل عام، ويحصلون على أجورهم هدايا تقدمها لهم الأسر في الليلة الأخيرة من رمضان أو أول أيام العيد، وعادة ما تكون مجزية للجهد الذي يبذله المسحراتي طوال أيام الشهر.

وتتنوع الأناشيد بتنوع «المسحراتية»، وتنوع المدن، وإن كانت تتمحور في الغالب بدعوة الناس للاستيقاظ لتناول السحور والدعاء لهم بالقبول.

وها أنا أكتب عن المسحراتي في نهاية الشهر لينطبق عليَّ المثل: «خلّوك مسحراتي، قال خلّص رمضان».

كل عام وانتم بخير.

[email protected]