تعرف باسمه المدن والبلدان

TT

كانت اركاتاكا بلدة صغيرة في كولومبيا. وكولومبيا كانت واحدة من جمهوريات الموز، حيث يشتري التجار الأميركيون الأرض والمزارعين وأقراط الموز بالجملة. ومن كان يمكن أن يحفظ اسم اركاتاكا، ولأي هدف؟ لا شيء ولا أحد. بلدة حارة فقيرة في بلد فقير ولزج في قارة فقيرة ورطبة وتمضي وقتها في العزف على الغيتار وغناء الآهات وزراعة الموز.

يحدث هذا نادراً لكنه يحدث دائماً. يولد في البلدة المجهولة رجل عادي ويهاجر إلى العاصمة. ثم يهجر البلد برمته. ثم، مثل المصابيح البطيئة، يبدأ اسمه بالإضاءة إلى أن يصبح أكثر شهرة من البلدة والبلد. وبدل أن يأخذ اسميهما يمنحها اسمه. والآن اركاتاكا ضوء على خريطة العالم، لأن منها خرج غابرييل غارسيا ماركيز. ولا حدود لها بعد الآن. لقد خرج ليصبح أحد أعلام الآداب في العالم وأشهر كتاب الاسبانية.

وبسبب أناس مثله صمدت اللغة الاسبانية في وجه جموح اللغة الانكليزية. لغتان، في العالم، قالتا للانكليزية: عندك، أنا هنا. الاسبانية والصينية. الثانية بسبب أرقامها والأولى بسبب أرحامها. إنها تحبل بالكتاب والشعراء مثل القطط. لقد اعترف ماركيز بأنه تأثر في صياغة نفسه، بوليم فولكنر وارنست همنغواي. ثم تخطى الينابيع ليصبح شلال ذاته.

يروي انه في العام 1961 كان (28 عاماً) على رصيف السان ميشال في باريس، عندما لمح على الرصيف الآخر الرجل الذي طالما حلم بمقابلته. ولكن كيف يجرؤ على ذلك الآن. ماذا لو نهره هذا الإنسان المليء بالشهرة. ثم إنه لا يجيد الانكليزية ويعرف أن ارنست همنغواي تعلم بضع كلمات اسبانية من مصارعي الثيران. بأي لغة يتحدث إليه؟ كيف يطلب منه موعداً لمقابلة صحافية؟ تلعثم طويلاً. وفي النهاية كان كل ما استطاع قوله هو انه صرخ في همنغواي من بعيد: المايسترو، المعلم.

بعد فترة قصيرة انتحر همنغواي بإطلاق النار في فمه من بندقية صيد في كوبا. وكتب ماركيز مرثية يكفي أن نذكر عنوانها: «لقد مات رجل الميتة الطبيعية». هكذا ختم همنغواي حياة عاصفة وملونة وزاخرة بالحروب والجروح والنساء والمغامرات. ها هو ماركيز، المعلم الجديد، يختصرها في كلمتين: ميتة طبيعية.

لم يعد تلميذاً لا يجرؤ على مخاطبة المعلم الكبير. ها هو يحصد نوبل بعيداً عن اركاتاكا وكولومبيا التي منحته جائزة صغيرة وهو صحافي فتى. انه الآن يرفض مئات الطلبات التي تقدم إليه من أجل مقابلة صغيرة. لكن إذا توافر له الوقت فهو يمضيه في مقابلة الزعماء والرؤساء حول العالم. من بيل كلينتون إلى فيدل كاسترو.