أميركا وإيران: إما حوار مثمر وإما مقاطعة صارمة

TT

الخيارات المطروحة على النقاش الدولي في ما يتعلق بمواجهة الخطر النووي الإيراني، يبقى خطرا ما لم تثبت إيران حسن نواياها بعدمه: عقوبات مشددة تشمل النفط والغاز تتخذها الولايات المتحدة وحلفاؤها من دون دعم قرار دولي من مجلس الأمن، أو احتمال ضربات عسكرية على منشآت إيران النووية، أو التفكير في وضع خطة «لاحتواء» إيران نووية.

في الحادي عشر من هذا الشهر وفي ذكرى تفجيرات «القاعدة» داخل أميركا، قالت إدارة الرئيس باراك أوباما إنها ستقبل العرض الإيراني لبحث الشؤون الأمنية، بما فيها برنامج إيران النووي. إيران لم تقترح مناقشة الطلب الأميركي لوضع حد لبرنامجها في تخصيب اليورانيوم. لكن الناطق باسم الخارجية الأميركية بي. جي. كرولي تحدى المراوغة الإيرانية وقال: «إذا كانت إيران عازمة على الدخول في مفاوضات جدية، ستجد في الولايات المتحدة وشركائها من الدول كل الترحيب بذلك، وإذا راوغت في المستقبل كما فعلت في الماضي، سنتوصل إلى استنتاجاتنا».

الاجتماع إذا عُقد، سيكون الأول بين إدارة أوباما والحكومة الإيرانية، وقد يمثل المحاولة الأخيرة لواشنطن إما لتحقيق النجاح في جذب إيران إلى طاولة مفاوضات مثمرة، وإما لتركز على المقاطعة الاقتصادية الصارمة.

يقول تريتا بارسي رئيس المجلس الأميركي ـ الإيراني «إن موقف إيران غير المساوم وتلميحها إلى المسألة النووية إشارة إيجابية إلى بدء الحوار وليس إلى خط أحمر». وأضاف: «إن الاقتراحات الإيرانية ربما توفر فرصة لشفافية أكبر ولمراقبة مكثفة وتدقيق دولي على المنشآت النووية الإيرانية».

لكن الدكتور جلال ساداتيان محلل الشؤون الدولية الإيراني يرى أن «مضاعفة العقوبات هي الخيار الجدي الوحيد عند الغرب، إذ ليست أميركا أو أوروبا في وضع يسمح لهما بشن حرب جديدة، هذه المرة ضد إيران. لكن خيار الحرب يصبح مطروحا إذا ما تحسنت الظروف الاقتصادية. وإذا ما صارت العلاقات الدولية قوية إلى درجة تبادل الثقة في ما بينها». ويضيف: «إن الاقتصاد بدأ يعود إلى حالة ما قبل الأزمة، ورئاسة أوباما حسّنت العلاقات الأميركية ـ الأوروبية، لذا علينا أن ننتظر لنرى إذا ما لاقت الضربة العسكرية ترحيبا شعبيا».

كلما وصلت إيران إلى حافة الهاوية، لجأت إلى المماطلة، إنها محظوظة في ذلك لأن العالم مرتبك حيالها، فهو يحتاجها في مكان ويحتاج إلى درء أخطارها في مكان آخر. لكن، في هذه المرحلة، مرحلة ما بعد الانتخابات الإيرانية التي أنتجت توترا داخليا في إيران، ومع مرور ذكرى 11 سبتمبر 2001، يُلاحَظ بروز أمرين:

عودة نشاط تنظيم «القاعدة»، التي استهدفت أحد أبرز شخصيات العائلة المالكة السعودية، الذي وضع بصمات واضحة ضمن خطة مواجهة إرهابها الذي حاولت نشره في السعودية وفشلت، الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز.

التوقيت مثير للشكوك عما كانت تخبئ، أو لا تزال تحضر. إذ أن محاولة الاغتيال وقعت قبل ذكرى عمليات 11 سبتمبر 2001. وهي تذكّر بما أقدم عليه التنظيم عندما اغتال أحد أبرز المناوئين له ولـ«طالبان» في أفغانستان، أحمد شاه مسعود. بعد ذلك وقعت هجمات نيويورك وواشنطن. إن إرسال انتحاري لاغتيال نائب وزير الداخلية السعودي هو قرار استراتيجي اتخذه تنظيم «القاعدة» يدفع إلى التساؤل عن الخطوة الثانية بعد انتهاء شهر رمضان المبارك. إذ فجأة، أعلن تنظيم «زياد الجراح» أحد اللبنانيين المشاركين في هجمات 11 سبتمبر مسؤوليته عن إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل، ثم صدر تسجيل صوتي، يقال إنه لأسامة بن لادن، يحذر فيه الأميركيين من سياسة بلادهم.

في الاقتراحات التي قدمتها إيران، تشير إلى استعدادها للمشاركة في تخليص العالم من الأسلحة النووية والإرهاب، وإلى رغبتها في التعاون مع الغرب لحل مشكلة المستنقع الأفغاني.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، رأى في الاقتراحات أسسا يُبنى عليها، وبالتالي فإن العقوبات ضد إيران غير ضرورية وغير نافعة.

في هذه الأثناء كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يقوم بزيارة سرية إلى موسكو برفقة كبار مستشاريه العسكريين، وحسب الصحيفة الروسية «كومرسانت»، فإن الإسرائيليين «يخططون لضرب إيران قريبا من أجل وقف برنامجها النووي، وإن نتانياهو قرر إبلاغ الكرملين بذلك».

بعد هجمات «القاعدة» عام 2001، تعاونت إيران وروسيا مع أميركا على إسقاط نظام «طالبان» في أفغانستان وتعطيل شبكة «القاعدة». وكان من مصلحة موسكو آنذاك القضاء على الخطر الإسلامي المتطرف على حدودها الذي كان يهدد مناطقها المسلمة في القوقاز. ويومها قال الروس: «من الأفضل أن تكون الولايات المتحدة في كابول وليس (طالبان) أو (القاعدة) في موسكو».

إيران أيضا شاركت الجهود العسكرية الأميركية في أفغانستان ذلك أن أفغانستان يحكمها «طالبان» تمثل خطرا حقيقيا على إيران، وهي كادت تخوض حربا مع أفغانستان عام 1998، ولهذا أسرعت إيران عام 2001 لاستغلال فرصة الإطاحة بـ«طالبان»، وأدان المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي هجمات 11 سبتمبر. وهكذا تحالفت روسيا وإيران لفترة مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، إذ جمعتهم المصالح المشتركة، كما أن هذه المصلحة ظلت قائمة بين واشنطن وطهران خلال الغزو الأميركي للعراق.

فهل إن تنظيم «القاعدة» الآن، يخطط لعمل ما، قد تستفيد منه إيران، إذ سيشعر الغرب بأنه يحتاجها في ظرف صعب؟ وهل إن الصواريخ التي أطلقت من جنوب لبنان ضد إسرائيل، قد تغير الحسابات الإقليمية وتعيد خلط الأوراق، بحيث يبقى لبنان مسرحا لهجوم إسرائيلي إنما لأسباب لا علاقة لها بإيران أو ببرنامجها النووي؟ ويدفع مرة ثانية لبنان الثمن لإنقاذ إيران من ورطتها الدولية إنما هذه المرة على يدي جماعات «القاعدة»؟

إذا حصل هذا، فإن مجرد التفكير في فرض عقوبات على إيران، يصبح بعيدا خوفا من إغضابها فتقوم بردود فعل في العراق وأفغانستان والخليج.

الأمر الثاني الذي يثير التساؤلات، حول عدم جدية إيران في التفاوض حول أي قضية مع الغرب، ويشير إلى مراهناتها على عمل يقوم به فريق معادٍ لها، فيدفع الغرب إلى مهادنتها، هو عبر قراءة بسيطة لحكومة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التي تكشف أنه اختار أعضاءها على استراتيجية عسكرة المجتمع الإيراني. فهو يريد توسيع صلاحيات وسلطة الحرس الثوري الإيراني .

أصر على تسمية وزير الدفاع أحمد وحيدي المطلوب دوليا بتهمة تفجير السفارة الإسرائيلية ومركز يهودي في الأرجنتين، واللافت أن أعضاء مجلس النواب صوتوا بالإجماع لوحيدي.

وفي حين أن اختياره لوحيدي، أثار غضب الغرب، تجاوز الغرب أن تسمية وحيدي كانت رسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة، فوحيدي كان قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري المسؤول عن العمليات الخارجية بما فيها نشاطات «حزب الله». واختار نجاد وزيرا للداخلية جنرالا سابقا في الحرس الثوري مصطفى نجار، ووزيرا للنفط، الجنرال السابق في الحرس مسعود مير كاظمي.

وكأن المرشد الأعلى صار يعتمد على قوة أحمدي نجاد، فخامنئي أبعد الكثيرين عنه، ولم يُبقِ معه سوى بعض الحلفاء. في حين يعرف أحمدي نجاد ماذا يريد ويأخذ القرارات، نرى في الجهة المقابلة أن الرئيس أوباما يتعرض لضغوط داخلية من اليمين الأميركي المتطرف، كي يرفض محاورة طهران، بل اتخاذ خطوات رادعة بحقها. والغريب أن مؤسّسي مجموعة «متحدون ضد إيران النووية» التي شنت حملة إعلانات تلفزيونية تطالب الولايات المتحدة بعزل إيران اقتصاديا لمنعها من تطوير السلاح النووي، مسؤولان كبيران في إدارة أوباما: دنيس روس المشرف على السياسة تجاه إيران في مجلس الأمن القومي، وريتشارد هولبروك المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان وباكستان.

قد لا يؤثر هؤلاء على التوجهات الأميركية. فالقرار هناك يبقى بيد الرئيس، أما إذا تُرك المجال في إيران لأحمدي نجاد، فإن المستقبل لا يطمئن. لكن، حتى الآن لم تنجح حكومته في إغلاق كل الأبواب بوجه العواصف الداخلية التي تهب عليها، إن كان من المعارضة من داخل النظام أو من قبل كبار رجال الدين وآخرهم آية الله منتظري الذي دعا بمناسبة «يوم القدس» في 18 الشهر الجاري، كبار رجال الدين في مشهد، وقم، وطهران وأصفهان وتبريز وأيضا في النجف وكربلاء للتظاهر ضد النظام من أجل إعادة السلطة إلى الشعب. ودعا منتظري في ندائه رجال الدين إلى استعمال سلطاتهم وقدراتهم ونفوذهم ضد النظام لأنهم يعرفون جيدا أن شرعيته منبثقة منهم، وحذرهم بأن النظام يستغلهم «وصمتكم يعني أنكم متواطئون».

العرض الذي قدمته الحكومة الإيرانية لا يعني أن النظام لم يعد يقف على شفير الهاوية. هو يحتاج إلى كل قدرته على المراوغة ليبعد عنه عواصف الداخل وكي لا يدفعه الخارج إلى المجهول. ويبقى على العرب مع متابعة الملف الإيراني ضرورة متابعة ملف «القاعدة» أيضا!