إبشا.. ليس خليل الله!

TT

ما زلنا نتوقف طويلا أمام المنظر الشهير المرسوم على جدران مقبرة «خنوم حتب الثاني» بمنطقة بني حسن بالمنيا، وفيه صور حضور وفد آسيوي من رجال ونساء وأطفال ومعهم دوابهم إلى مصر.

ولقد صوّر المصري القديم الوفد الآسيوي الذي يرأسه كبير البدو المسمى «إبشا» بملابس مزركشة زاهية الألوان، وكذلك بالذقن الآسيوي الصغير المدبب وشعر الرأس الكثيف، وقد حمل «إبشا» لقب «حاكم الصحراء». وكما ذكرنا في مقالنا السابق فإن بعض الدارسين ربط بين مقدم هذا الوفد الآسيوي إلى مصر وزيارة نبي الله إبراهيم (عليه السلام) إلى مصر مستدلين على ذلك بأمرين:

الأول هو أن تاريخ المنظر المصور على جدار مقبرة «خنوم حتب الثاني» هو العام السادس من حكم الملك «سنوسرت الثاني» وهو التاريخ الذي اقترحه العديد من الباحثين بنزول إبراهيم ومن معه إلى مصر.

الأمر الثاني: وهو أن اسم «إبشا» هو صفة أو كُنية عند أهل سوريا وفلسطين وتفسيره بالعربية قريب من «أبي الشام» ويزعمون ذلك بأن إبراهيم (عليه السلام) قد أخفى اسمه لخوفه أن يبلغ أمره إلى ملك نينوى فيأمر بقتله.

وعلى الجانب الآخر نجد الباحثين ينفون تماما وجود علاقة بين هذا المنظر وزيارة إبراهيم (عليه السلام) ويبررون وجود هذا المنظر بأنه صورة من صور العلاقات التجارية بين مصر وبعض القبائل الآسيوية.

وفي ظني أن أصحاب الرأي الثاني هم الأقرب إلى التصديق خصوصا إذا علمنا مدى قوة حكام الأقاليم خلال عصر الدولة الوسطى وقيام بعضهم بعمل علاقات تجارية ودبلوماسية مباشرة مع جيرانهم سواء من القبائل الآسيوية أو الإفريقية أو الليبية.

ونأتي إلى سؤال مهم كثيرا ما يُطرح على علماء الآثار عند لقائهم بالمهتمين بالحضارة المصرية، وهو: إذا كان المصريون القدماء قد اهتموا بتسجيل كل صغيرة وكبيرة في حياتهم والأحداث المهمة في تاريخهم ونجده مصورا على جدران مقابرهم ومعابدهم وأيضا على أوراق البردي الذي حُفظ في أرشيفاتهم بالمعابد والمباني الإدارية الحكومية. فالسؤال الآن هو: لماذا لم نجد أحداثا مثل نزول إبراهيم الخليل إلى مصر؟

أو قصة يوسف (عليه السلام)؟ أو موسى (عليه السلام)؟

وللإجابة على هذا السؤال يجب على القارئ أن يعي أننا حينما نتحدث عن الحضارة المصرية القديمة فإننا نتحدث عن ثلاث آلاف سنة تقريبا هي عمر الحضارة الفرعونية المكتوبة، أي منذ معرفة المصري القديم للكتابة، وقد سبق هذا العصر عصورا تاريخية ضاربة في القدم لآلاف السنين. هذه المقدمة هي لمعرفة أن قصة كل نبي وعلاقته بمصر إما استمرت بضعة أشهر مثلما يمكن أن نتوقع مع نبي الله إبراهيم (عليه السلام)، أو عشرين عاما وربما ثلاثين على أقصى تقدير مثلما هو الحال مع نبي الله يوسف (عليه السلام)، ويزيد على هذه المدة عشر أو خمسة عشر سنة عند الحديث عن نبي الله موسى (عليه السلام).

إذن فإن هذه المدد الزمنية مقارنة بعمر الحضارة المصرية تعتبر قصيرة جدا ولا تشغل حيزا من التاريخ الفرعوني الغارق في القدم. فإذا ما علمنا أن ما تبقى من آثار الفراعنة التي بنوها لا يزيد بحال من الأحوال عن عشرة في المائة مما خلفوه نكون قد علمنا السبب في عدم عثورنا على آثار أنبياء الله في مصر!